العرب وإيران حتى لا ندخل حرب المائة عام
آخر تحديث GMT 12:11:03
 فلسطين اليوم -

العرب وإيران: حتى لا ندخل حرب المائة عام

 فلسطين اليوم -

العرب وإيران حتى لا ندخل حرب المائة عام

خالد الحروب

حال أن تندلع الحرب تصبح سيدة نفسها. تتمرد على من اطلقها وتحقق استقلالها عن مخططيها، وعن الظروف المحيطة بها، وكذا عن الرغبات القوية بوقفها. تشحن نفسها بطاقة غريبة وهائلة للاستمرار. هي هكذا فكرة الحرب، الايلولة إليها واستمرارها وكل ما يدور حولها لا يزال احد الاسرار المدهشة لهذه البشرية. من جهة تبدو قصة الحرب كفكرة وممارسة وكأنها واضحة الملامح، محددة البدايات ومُتوقعة النهايات، وفي كل الاحوال مُوحدة للرأي ضدها، او لتفاديها، واعتبارها آخر الحلول.
كل البشر تقريبا يتفقون على بشاعتها وفداحة أكلافها، وضرورة عدم الانجرار اليها. لكن هذه الساحرة الملعونة، من جهة ثانية، تصمد في قلب التاريخ وكأنها المحرك الأهم له والراسم الاكثر تأثيرا لمساراته، والمُستهزئ الاكبر بكل رصانة وعقلانيات البشر ومفكريهم.
كلما تفاعلت ظروف "سلامية" في زمن ما تشير الى احتمال تراجع الحرب وجنونها وتقدم السلم وعقلانيته، واحتمال ترجمة الشعوب والحكومات والسياسيين على الارض ما يقتنعون به في العقل والخيال من بشاعة الحرب ودمويتها، تنتفض الحرب دفاعا عن وجودها واستمراريتها فتعلن عن اندلاعاتها في المكان والزمان الذي يتهدد فيه ذلك الوجود.
جانب من الغموض المُحير في الحرب يكمن في نتائجها التي لا تتوقف عن ان تكون مفاجئة، مُربكة المخططين والاستراتيجيين والسياسيين، وساخرة بخططهم التي يعتقدون انهم "حبكوها" بما يضمن السيطرة على مسارات ونتائج الحرب التي يخوضونها.
وقبل وبعد كل شيء في "علم الحرب"، او ربما الجهل بها، هناك التحدي الكبير والدائم حول معضلة الخروج من الحرب وإنهائها، والتي لا علاقة لها بسهولة الدخول فيها وابتدائها.
ليس هناك حاجة للذهاب بعيدا في تاريخ الحروب للتدليل على كل ذلك، وهناك فائض من الامثلة والشواهد الطازجة امامنا وفي منطقتنا المنكوبة بالحرب.
حروب صدام حسين وحروب جورج بوش في العراق وافغانستان وحروب اسرائيل على غزة، معظمها، ان لم يكن كلها قادت الى نتائج لم تكن مرغوبة لمن اطلقها، ان لم نقل نتائج معاكسة تماما.
صدام اراد بغروره ان يجعل من العراق قوة باطشة تخيف ليس فقط ايران بل جيرانه العرب ايضا، فكانت النتيجة انه دمر العراق وقدمه لأعدائه.
دخل حربا مع ايران ظنها نزهة، فأرهقت البلدين والمنطقة وصار الخروج منها امنية كأنها بعيدة التحقق. غزا الكويت بعدها ظاناً انها نزهة اخرى، فوضع العراق على طريق الانهيار المجهول الذي مازال فيه حتى الآن.
رعونة جورج بوش الابن هو الآخر ادخلته في حروب ورطت اميركا وانهكتها، وكانت نتائجها كارثية ليس على اميركا فحسب بل العرب تحديداً: قدم العراق هدية مذهلة وعلى طبق من ذهب لإيران، وفتح بوابات النفوذ الاقليمي لها بشكل لم تكن تحلم به، وقدم العراق ايضا هدية مذهلة وعلى طبق آخر من ذهب للقاعدة والإرهاب الاسلاموي، وفتح بوابات الجحيم والدم على المنطقة وشعوبها، بحيث صارت "القاعدة" تنظيما معتدلا مقارنة بمن جاء بعدها من سفكة دماء.
ولإيران حروبها ومعاركها القائمة على ما قامت عليه حروب الآخرين من "تفكير استراتيجي" مُفترض يعتاش عمليا على إغواء فكرة النفوذ الاقليمي والسيطرة وبسط الهيمنة.
حروب ايران في العراق وسورية ولبنان واليمن يخضع كل منها وبالتأكيد لما يُظن بأنه حسابات "دقيقة" ويعتقد القائمون عليها ان نتائج حروبهم محسوبة ويمكن إدارتها بحسب الاهداف والرغبات المرجوة والمسطرة على الورق.
وكذا لا يختلف غموض الحرب والتخطيط لها ونتائجها في مسألة حرب التحالف ضد الحوثيين في اليمن، وعلى مشروعيتها الواضحة، إذ كانت قد بدت الامور محسوبة بدقة وان نتائج الحرب مضمونة ومساراتها محددة.
لكن الحرب تفاجئ مخططيها، ذاك انها فور ان تندلع تصبح مرة تلو اخرى سيدة نفسها. القرن العشرون بطوله يتحفنا بشواهد حروب ادمت الانسانية. كل حرب فيها سقط عشرات الملايين من الابرياء ضحايا لها، ودمرت بسببها بلدان ومجتمعات واجيال.
ذلك كله للقول ان منطقتنا تقف على حافة خطر كبير، خطر حرب دموية طاحنة وطويلة بين ايران والعرب، تعمل على استيراد كل الاحقاد الماضية، وتعيد انتاج الغرائز الدينية والطائفية الفجة، لتدخل الشعوب في نفق بائس من الدم الذي قد نعرف متى نفر اول مرة، لكن لا احد سيعلم متى قد يتوقف.
بعد الحروب الطويلة يستعيد العقل بعضا من الضياع الذي واجهه، ويرى الناس عاديهم ومفكرهم جبهات الدمار الطويل فيبصرون عبثية الحرب وبشاعتها، وتفاهة غرور القوة الذي يقود اليها.
لسنا بحاجة الى مستقبل دام يكاد الكثيرون منا رؤيته إن لم ندفع العقل والرصانة لمحاصرة غرائز الحرب وإغواء النفوذ والقوة، والمفترق الذي تقف عليه المنطقة الآن مكتوب عليه "مستقبل علاقة العرب وايران"، ثم ينفرد الى مسارين واحد دموي وحربي وطائفي يقودنا الى حرب دينية ونفوذية وتحطيمية، مثال حطامها ما نراه في سورية، ومسار آخر سلامي وعقلاني وتعاوني.
المسار السلامي صعب الابتداء، بعكس سهولة الشروع بالحرب، ومضن ويحتاج الى جهود خارقة للعادة، لكنه مسار يبعد الدمار الشامل، ويحمي شعوبها واجيالها القادمة.
يحتاج العرب وايران وتركيا ايضا اليوم وقبل كل شيء الى "مؤتمر اقليمي شامل" يستمر لاسابيع هدفه إعادة موضعة المنطقة على مسار التعايش والسلام بين البلدان والشعوب، خشية الانجرار الى مسار الحرب المخيف.
مسار الحرب جاهز والانزلاق اليه سهل ومغر، لكن لا يعرف احد كيف يمكن الانتهاء منه. واذا استخدمنا زمن الحرب العراقية الايرانية الذي استمر لقرابة العقد من السنين كـ "مقياس" فربما لن يكون من المبالغة القول إن مسار الحرب الملعونة الذي قد ننخرط فيه في المنطقة قد يستمر قرنا من الزمان.
فيه تصير الحرب، وليس السلم والحياة العادية، هي النمط السائد وهي المحدد الاهم ليوميات البشر، هناك حاجة فوق ماسة اليوم لجيوش من اصحاب العقول الراجحة والرصينة، وليس من العسكريين واصحاب الحناجر العالية، ليقودوا سياسات حكيمة تقود المنطقة الى مآلات غير دموية، ولنتفادى السيناريو الكارثي الذي ينتظر على عتبات البيوت. من يقول بخلاف ذلك فعليه ان يفك سحر الحرب ويكشف لنا عن اسرارها الغامضة التي حيرت فلاسفة البشر ومفكريهم، ويقدم الاجوبة عن الاسئلة الملغزة: كيف يمكن أن ننهي الحروب، وكيف يمكن أن نضمن نتائجها؟

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

العرب وإيران حتى لا ندخل حرب المائة عام العرب وإيران حتى لا ندخل حرب المائة عام



GMT 06:12 2025 الأربعاء ,15 كانون الثاني / يناير

ليلة الفقر في موسكو

GMT 05:56 2025 الأربعاء ,15 كانون الثاني / يناير

نكسة كبرى للثقافة الليبرالية

GMT 05:54 2025 الأربعاء ,15 كانون الثاني / يناير

الطريق إلى المشروع العربي؟!

GMT 05:52 2025 الأربعاء ,15 كانون الثاني / يناير

ليبيا: اعترافات الوزيرة وصمت الحكومة

GMT 05:50 2025 الأربعاء ,15 كانون الثاني / يناير

الديون الأميركية والأزمات المالية العالمية

GMT 05:45 2025 الأربعاء ,15 كانون الثاني / يناير

حيرة السوريين !!

GMT 05:42 2025 الأربعاء ,15 كانون الثاني / يناير

للسياسة تاريخ في لبنان

GMT 06:01 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

علاج جيني مُبتكر يعيد السمع والرؤية لمرضى متلازمة آشر 1F

GMT 08:57 2024 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

كيا EV3 تفوز بجائزة أفضل كروس أوفر في حفل جوائز Top Gear لعام 2024

GMT 22:14 2019 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

تعرف على فيلم افتتاح مهرجان "القاهرة السينمائي"

GMT 11:56 2019 السبت ,13 تموز / يوليو

كبرى الشركات في قطر تُعلن عن وظائف شاغرة

GMT 10:32 2020 الخميس ,23 تموز / يوليو

انخفاض قيمة صادرات النفط السعودية

GMT 12:35 2020 الجمعة ,19 حزيران / يونيو

آداب الاستئذان للأطفال
 
palestinetoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

palestinetoday palestinetoday palestinetoday palestinetoday