بقلم : وليد شقير
لجأت طهران مرة أخرى إلى المواجهة بالواسطة مستخدمة الميليشيات التي تستطيع إدارتها، في ردها على تصاعد العقوبات الأميركية ضدها بإلغاء الإعفاءات لثمان دول من شراء نفط إيران، ومنعها من تصدير الحديد والصلب منذ مطلع الشهر الجاري، بعد تصنيف "الحرس الثوري" منظمة إرهابية مطلع الشهر الماضي.
في وقت كانت واشنطن ترصد إمكان استهداف قواتها ومصالحها في العراق، بعد المعلومات التي تلقتها عن نصب ميليشيا حليفة لـ"الحرس الثوري" صواريخ قرب إحدى القواعد الأميركية في بلاد الرافدين، استخدم "الحرس" الحوثيين، لاستهداف حلفاء واشنطن، في شاطئ دولة الإمارات ثم خطوط النقل النفطية السعودية. يتجنب حكام طهران الاحتكاك المباشر مع الأميركيين.
الجانبان لا يريدان الحرب كما أعلن كل من دونالد ترامب، الذي لا ينوي تكرار مغامرة جورج دبليو بوش الذي دخلها من دون خطة للخروج منها، هي غير متوافرة حاليا، والمرشد الإيراني علي خامنئي الذي طمأن شعبه القلِق إلى أن الحرب "لن تقع" مع الولايات المتحدة. يدرك الإيرانيون كلفة أي خطأ قد يدفع واشنطن إلى المواجهة. فالحرب إذا وقعت لن تكون برية وباحتلال أميركي لأراضٍ إيرانية، كما في أفغانستان والعراق، بل بقصف مجنون ضد المنشآت العسكرية والنفطية والاستراتيجية لا قدرة لها على احتماله، مهما كان رد فعل طهران عليه قوي حيال دول المنطقة الحليفة.
في رأي الخبراء أن الترسانة الأميركية الموجودة في القواعد العسكرية في المنطقة وفي البحر، لا تحتاج إلى تعزيزات لأنها كافية لمواجهة أي طارئ وعديدها يناهز الـ150 ألف عسكري. والحشد الأميركي لحاملات طائرات وقاذفات استراتيجية في مياه الشرق الأوسط ليس هدفه الحرب بقدر الردع من جهة، وحماية إجراءات الضغوط على الاقتصاد الإيراني من سعي الحرس الثوري إلى تفريغها من فعاليتها، بالالتفاف عليها، من جهة ثانية.
ما زال رهان ترامب على تدهور الوضع الاقتصادي الإيراني، أساس خطته نحوها، وهو ما جعله يعلن أنه "واثق بأنها سترغب قريبا في إجراء محادثات". المعطيات الواردة من الداخل أن الاقتصاد يسوء أكثر فأكثر، إلى درجة النقص في مواد غذائية أساسية منها السكر مثلا، ويتسبب باحتجاجات شبه يومية في الشارع يجري طمسها في الإعلام، تتصاعد إلى درجة أن "البزدران" اضطر قبل أيام إلى إغلاق بعض الجامعات ومحاصرتها لإبقاء التظاهر في داخلها والحؤول دون انتقاله إلى الشوارع. كيف لشعب أن يحتمل بلوغ التضخم نسبة 40 في المئة، وفرض المزيد من القيود عليه إلا بتصاعد آلة القمع؟
قد لا يكون حكام طهران بلغوا مرحلة الإقبال على التفاوض وتقديم التنازلات بعد كما قال خامنئي، معتبرا أن "مبدأ التفاوض مع واشنطن خاطئ حينما تريد استهداف صواريخنا ونفوذنا الإقليمي".
وقد يعتقد المتشددون في طهران أن بإمكانهم اللعب على حافة الهاوية مع ترامب، لأن بينهم من يؤمن بقدرتهم على مقابلة الضغوط بالصمود وبالتسبب بالإزعاج والضغط الأمني على دول الخليج، بالواسطة كما حصل في الأيام الماضية، وأن هناك ساحات عدة تتيح ذلك، أو لأن من يتصدرون ديبلوماسيتهم يرون أن ترامب لن يتشدد معهم بالقدر الذي يظهره في مواقفه المعلنة، لأن أولويته كوريا الشمالية لا إيران. إلا أن هناك جملة عوامل تعاكس المقامرة الإيرانية الرافضة للتفاوض، وتضيّق الخيارات على طهران في "صراع الإرادات" كما سماه خامنئي. فخفضها تعهداتها في الاتفاق النووي بالعودة إلى رفع نسبة تخصيب اليورانيوم، وإمهال الدول الخمس الباقية المعارضة لانسحاب ترامب منه، بما فيها الصين وروسيا، مدة شهرين، لقي رد فعل معاكس من هذه الدول. فالفقرة نفسها في قرار مجلس الأمن، التي تنص على التزامات طهران، تنص أيضا على عودة العقوبات الأممية عليها، في شكل تلقائي من دون العودة إلى الأمم المتحدة. ولربما هذا ما جعل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يعلق على ذلك بموازاة لومه واشنطن، بالقول بعد يوم من استقباله وزير الخارجية الأميركي جورج بومبيو: "روسيا ليست فريق إطفاء ولا يمكنها أن تنقذ كل شيء وحدها.. (الأمر) لا يعتمد علينا وحدنا، بل على جميع شركائنا". بات معروفا أن القيصر يتقاطع مع ترامب وأوروبا في شأن دور "الحرس الثوري" في سورية، ويراعي الموقف الخليجي في ما يخص اليمن. يضاف إلى ذلك السؤال الذي فرضته الأفعال العسكرية للحوثيين: هل ستتفرج واشنطن على طهران تُفلت أذرعها بهذا الشكل، أم أنها ستنحاز أكثر إلى الحلفاء في اليمن، سواء حربا أم سلما؟
مع تحييد ساحة لبنان، حتى إشعار آخر، ونجاح قادة العراق في اعتماد سياسة التوازن، يصبح خيار التفاوض تحديا كبيرا على طهران التي يخشى متشددوها من أن يتسبب بضعف النظام وسقوطه.