بقلم :حسن البطل
كان يُقال عمّن عارك الدهر وعركه أنه «شهد المشاهد كلها»، أو كان يُقال عن شخص ما إنه عاش الجاهلية وأدرك الإسلام. ماذا يُقال عمّن عايش حقب الحركة والمنظمة والسلطة؟ اللاجئ (أ) اجتاز حقباً ثلاثاً من ثائر إلى كادر إلى موظف حكومي، وبعد ثلاثة أعوام من إحالته إلى التقاعد، لبلوغه السن القانونية، وجد نفسه عضواً في قائمة أربع قوائم تتنافس على عضوية مجلس بلدي.
بعد الانتخابات في مدينة هي المدينة «التي تنمو على عجل» في حقبة السلطة، صار عضواً في المجلس البلدي، لأن قائمته حلّت ثانية مع خمسة مقاعد من 15 عضواً، والقائمة الأولى حصلت على ثمانية مقاعد، بينما حصلت قائمة أخرى على مقعدين، ولم تحصل قائمة رابعة على أي مقعد. في الحقبة الثالثة السلطوية شغل منصباً إدارياً متقدماً في إحدى الوزارات، كوكيل مساعد، وفي الحقبة الثانية شغل منصباً ثانوياً في إحدى ممثليات/ مكاتب/ سفارات فلسطينية في دولة متوسطية صديقة. تعرفون أن الحكومات تدير شؤون الدولة/ الوطن/ البلاد، لكن المجالس البلدية هي بمثابة حكومة تنفيذية/ خدمية للمدينة أو البلدة أو القرية.
الذي «عارك الدهر وعركه» أو عاش اللجوء والثورة والمنظمة وأدرك السلطة، اكتشف أن مهام عضو مجلس بلدي لا تقل تعقيداً عن مهام وزير في الحكومة، وهذه لا تقل «غلبات» عن كادر في المنظمة أو السلك الدبلوماسي! في فجر تأسيس الدول، كانت كل مدينة هي «دولة» صغيرة مسوّرة، وصارت الدولة الخدمية هي أقرب إلى اتحاد مجموعة من مدن وبلدات وقرى، تدير شعباً أو قومية! لا أعرف كم واحداً في المجالس البلدية الأخيرة أحرز مقعداً بعد أن مرت عليه حقب الحركة (فتح) والمنظمة والسلطة، لكن المواطن (أ) فوجئ بمهمة عضو مجلس بلدي في مدينة صارت هي «المدينة» السلطوية/ الإدارية الأولى ليست بأقل تعقيداً ومتاعب في «مدينة تنمو على عجل» كما قال درويش.
المطوّرون، شركات البناء العقاري، أصحاب الأراضي العقارية، والمموّلون يشكلون جماعات ضغط على مهام المجلس البلدي في الإدارة والتخطيط وتنفيذ مشاريع التطوير، ويؤثرون على القرارات والطريقة التي يخدم فيها المجلس البلدي سكان المدينة. في حكومة البلد، نسمع عن استقالات أو إقالات الحكومات كلها، أو وزير أو موظف كبير في إدارة من إداراتها. كل مجلس بلدي يتم انتخابه عليه أن يدير شؤونه مدّة أربع سنوات حصل أمر طريف في مجلس بلدي في إحدى قرى رام الله، التي كان مجلسها يتم انتخابه توافقياً، وفي آخر انتخابات تنافسية توافقوا على أن يكون المعلم (ع) هو الرئيس التوافقي لانتخابات تنافسية، لكنه استقال قبل عقد المجلس أولى جلساته بسبب الخلافات الداخلية.
لا يفكر المواطن (أ) أن يستقيل من المجلس البلدي المنتخب، ويحاول أن ينسج تحالفاً من خمسة أعضاء مع عضوين آخرين، ليشكلا أقلية ضاغطة من سبعة أعضاء تحاول أن تحدّ من تأثير «لوبيات» المطوّرين، وشركات البناء العقاري، والممولين، وأصحاب الأراضي العقارية على مشاريع التخطيط المدينية. أفهم في سياسات الحكومات والدول، بأكثر كثيراً مما أفهم في سياسات تخطيط المدن. مع ذلك، وفي منتصف تسعينيات القرن المنصرم، كتبتُ أن محطة باصات مركزية لرام الله ـ البيرة، يجب أن تكون في مساحة كبيرة شاغرة أمام «المقاطعة».
رئيس بلدية البيرة حينذاك، سأل مراسلتنا: من هو هذا حسن البطل؟ أليس من العائدين؟ «شو بفهّمه في المسألة»! من شرفة بيتي في رام الله التحتا، أرى في أفق المدينة عمارة شاهقة فوق أعلى تلة من تلال المدينة لتسد شيئاً من أفقها، بينما أرى أن تبنى العمارات الشاهقة ليس على التلال المرتفعة، وأبراج تبنى لصق بيوت قديمة من طبقة واحدة! الآن، صار في المجلس البلدي من عايش حقب الحركة والمنظمة والسلطة، وكان مسؤولاً نافذاً في وزارة التخطيط. مقتطفات من الزميل القديم عبد الله عواد هذا «البوست» على «الفيسبوك»: قبل أن تتبنّى الشهداء والعملية البطولية نسألك: هل دربتهم؟ هل سلّحتهم؟ هل درست خطة العملية؟ إذا كانت الإجابة نعم سنخرس، وإذا لا اخرس، ولا تدفع الشباب إلى التهلكة.
«احتلال» ! باحثة إسرائيلية رصدت كم نسبة كلمة «احتلال» في ما يكتبه أعضاء الكنيست على صفحاتهم في موقع «فيسبوك» فوجدت أن الكلمة (احتلال) تشكل نسبة نصف بالمئة (0,5%) فقط وأن الكلمة غير مطروقة إلاّ في مواقع القائمة المشتركة وحزب «ميرتس»! بالمناسبة، كان شارون قد قال في أحد مؤتمرات هيرتسليا: «هذا احتلال.. نعم احتلال».. والآن، تناقش الكنيست مشروعاً لإعادة استيطان أربع مستوطنات مخلاة في جوار جنين. يعني: حق عودة لليهود، وحق استيطان لليهود وحق تقرير المصير لليهود.