بقلم :حسن البطل
عاد صاحبي من سياحته العائلية الأميركية، في شيكاغو، ولاية إيلينوي، وقد أصابه شيء من هوس أميركي جديد، هو المكمّلات الغذائية، ذات المنشأ الصيني ـ الهندي. في هذا الهوس عرفت شيئين جديدين، أحدهما أن أسرة الفيتامين B انضم إلى سلالتها B17، وثانيهما أن نهر الميسيسبي معناه في لغة الأصليين الأميركيين (الهنود الحمر) هو «النهر العظيم». تعرفون أن عناصر الغذاء ستة، من ضمنها البروتينات، الفيتامينات، والمعادن، وبعد هوس مشروبات الطاقة، ومن قبل علف مركز لبناء الأجسام الرياضية، ومن قبل المخدّرات، أضيف هوس تناول مكمّلات أبرزها هذه الـ»شيلا جيت» وأضرابها التي تحوي 85 مادة معدنية، بحيث وُصفت بـ»الصخرة التي لا تقهر»!
وهي مزيج مركب من تحوّلات وتحلّلات أشنيات، وطحالب غابرة، وبكتيريا، وتنمو في تلافيف صخور أعالي جبال الهملايا. يكشطونها بعناية. بعض صنوف هوس المكمّلات، يباع الكيلوغرام منها بـ500 دولار، وصنوف أخرى بـ50 دولاراً، وهي مجازة من «إدارة الغذاء والدواء» الأميركية المعروفة أميركياً باختصار FDA. في معظم اللغات يلقون التحية ويتساءلون: «كيف الصحة؟» وفي تحية السؤال الصينية فإن الصحة تعني الأكل، وهذا يعني الأرز، ومن ثم تصير التحية الصينية «هل أكلت أرزاً اليوم؟». الأميركيون يقولون: «نحن ما نأكل». الصحة هي لوظائف الجسم، وفي العربية يقال: صحة وعافية، لأن العافية هي طاقة وظائف الجسم على العمل، لذا نقول «يعطيك العافية» أو بالشامية «العوافي» لمن نراه يشتغل في عمل شاق. الفيتامينات والمعادن هي التي تعطي العافية، وهذا ألـ»شيلا جيت» يحوي 85 مادة معدنية.
إلى الذرة والبندورة والبطاطا والتبغ، والأولى ثلاث هدايا من العالم الجديد إلى موائد مطابخ وصحون العالم القديم، فقد صدّرت الحضارة الأميركية إلى العالم الوجبات السريعة المعروفة بـ «تيك أوي» أو «عَ الماشي» وأساسها هناك سندويشات «الهمبرغر» ومشتقاته لكن الوجبات السريعة في بلادنا هي «الشاورما». كانوا في تصويب قواعد اللغات يقولون: «قل لا تقل» ومنذ زمن بعيد صاروا في حضارة الاقتيات يقولون: «كل لا تأكل»، والآن في حضارة الاعتلاف ترى في الصيدليات مستحضرات حبوب من فيتامينات ومعادن وأملاح تحوي عشرات العناصر، فإذا بلغت من العمر نصف قرن وما فوق، عليك بحبة واحدة يومياً، ما ينقص جسمك يمتصه، وما يزيد على حاجة الجسم يلفظه مع الفضلات. في عصر الاقتيات كان يقال: «لا يُصلح العطّار ما أفسده الدهر» ويقصدون ربّما ما يسمى «طبّ الأعشاب» والعمر، أيضاً. في الواقع، توصلت كل واحدة من شعوب الأرض إلى مطبخها وأطباقها التي تقدم عناصر الغذاء الأساسية، لكن علماء الغذاء والصحة انتخبوا الغذاء المتوسطي، أو المطبخ الكريتي، أميراً عليها لاعتماده البقوليات والخضراوات والأسماك وقليلاً من اللحوم الحمراء..
وأولاً زيت الزيتون. كانت هناك مجلة طبية تصدر في دمشق تسمى «طبيبك» وشعارها: «اعدل عن الدواء بالغذاء»، ومعادلتها بسيطة: إذا توحّمت على أكلة معيّنة، فهذا يعني أن جسمك يحتاج إلى عناصرها، وإذا اشتهيت فاكهة بذاتها فهذا يعني أن جسمك يحتاج إلى فيتاميناتها ومعادنها. مع أن الحليب غذاء شبه كامل، فقد طوّروا مشتقاته إلى ما لا يُحصى من ألبان وأجبان؛ ومع أن صحن السلطة مكمّل غذائي رئيس، فقد أضافوا إليه ما يُستجد من عناصر أخرى، ثم صارت هذه السلطة مغلّفات شتّى جاهزة للتحضير السريع، والأفضل أن تضيف إليها ما تشتهي نفسك من خضراوات طازجة. الكائن الأعلى هو أنت الأكول الأعلى، الذي يتناول في غذائه كل العناصر الأساسية وفوقها شتى أصناف الفيتامينات والمعادن، بما يجعل اللحم البشري أشهر وجبة تحبها الحيوانات المفترسة، التي إن افترست إنساناً ما، صارت ولوغة بالافتراس، بعد أن تذوقت الدم واللحم البشري.
إذا افترس وحش إنساناً بشرياً، نظّم البشر حملة مطاردة وصيد للوحش لأنه سيفتش عن فريسة بشرية أخرى. يمكن أن يكون الطعام المتوسطي هو الأكثر تكاملاً، ويمكن أن يكون زيت الزيتون، خاصة البكر منه، أحسن عنصر في الشحميات اللازمة، لكن ربما كان الطعام الآسيوي الشرقي، مثل الصيني والهندي والفيتنامي أكثرها غرابة لأنه لا يوفر كل ما يخطر وما لا يخطر على البال من غرائب الأطباق والكائنات، وفنون الاقتيات والاعتلاف وضروب المكمّلات، بما فيها هذا الهوس بهذا الـ»شيلا جيت» وأضرابه. يمكنكم أن تبحثوا عنه وعن ضروبه وتعاطيه ومشتقاته على «الإنترنت» لكن بعد جرعتين منه، شعرت أنني آخذ شهيقاً أكبر وأعمق من أكسجين الجو. أما مشاريب الطاقة فإنني لا أقربها أبداً، ونادراً جداً أتناول كوبا من هذه الكوكا كولا.. لكن نعم لحبة فيتامين B12 وأخرى أوميغا 3 وحبّة إسبرين أطفال، وبالطبع حبّة لخفض الضغط. الصحّة جيدة، لكن العمر يقضم من هذه العافية. كلوا «وصحتين وعافية»!