قد يظنّ البعض أن إلقاء محمود درويش بعض قصائده في «الملعب البلدي» بدمشق لم يسبقه أحد، لكن سبقه «الشاعر القروي» المهجري رشيد سليم الخوري، الملقّب بشاعر العروبة، الذي عاد في خمسينيات القرن المنصرم إلى سورية بعد وحدتها مع مصر، من المهجر البرازيلي، وتوفي العام 1984.
المصري اليهودي، إيلي كوهين، كان تحت رقابة المخابرات المصرية بعد انفجار «فضيحة لافون» الإسرائيلية في خمسينيات القرن المنصرم، وهاجر إلى إسرائيل 1957، وبعد إقامة قصيرة في الأرجنتين، جنّدته «الموساد» لمعرفته بالعربية، وأتقن اللهجة السورية، ودرس القرآن وتعاليم الإسلام، قبل إرساله إلى دمشق 1962، منتحلاً صفة المهجري العربي ـ السوري الموالي لحزب «البعث»، حيث تسلّق إلى مكانة العضو القيادي في الحزب، في زمنٍ كان فيه الحزب يحوّل جيش سورية إلى «جيش عقائدي» بعثي، ما سهّل عليه عقد صداقة مع كبار ضباط الجيش، الذين أفصحوا له أسرار الأسلحة، وخطط وتكتيكات الجيش في أي حرب مقبلة تنشب مع إسرائيل.
شاعر العروبة المهجري ألقى قصائده في الملعب البلدي، وأمّا جاسوس إسرائيل انتحل عروبة مهجرية قصيرة، فقد انتهى بإعدامه في أشهر ساحة بدمشق، هي ساحة المرجة العام 1965، وهي الساحة التي شهدت إعدام «السفاح جمال باشا» رجالات عروبة مسلمين ومسيحيين العام 1916.
أخطر نجاحات الجاسوس الإسرائيلي هي تصويره، عبر ساعة يد، تحصينات الجيش السوري في الجولان، التي كانت تشبه في مناعتها «خطّ ماجينو» الفرنسي قبل الحرب العالمية الأولى، ما أدى إلى سقوطها السريع في حرب العام 1967.
إن كان كوهين أخطر جاسوس إسرائيلي، فقد كانت راقصة التعرّي «مانا هاري» أعظم جاسوسة في التاريخ، وعملت لصالح الألمان ضد الفرنسيين، وتسبّبت في سقوط «خط ماجينو»، وأُعدمت بالرصاص 1917، ولعبت دورها في السينما جريتا جاربون، ومارلين ديتريش.
كانت مصر على خلاف سياسي مع سورية بعد الانفصال، خاصة في الأعوام 1962 ـ 1965، وهي فترة عكرة من الانقلابات العسكرية السورية، وفيها سيطر «البعث» على الجيش، خاصة فترة حكم اللواء أمين الحافظ، الذي ادّعى خلال القمة العربية الأولى 1964 أن لديه خطة لتحرير فلسطين خلال أربع ساعات.
تولّى أمين الحافظ حكم سورية بعد انقلاب على قائد الجيش، الموالي للناصرية، لؤي الأتاسي، وصار حاكماً مستبداً يشغل مناصب قائد الجيش، والحاكم العرفي، وأمين حزب «البعث»، ورئيس الدولة، ووزير الداخلية أيضاً.
المخابرات المصرية لاحظت صورة لكوهين أثناء زيارته لتحصينات الجولان فوضعته تحت المراقبة، وسجلت إشاراته اللاسلكية من شقته القريبة من قصر الضيافة، وأبلغت السوريين، فكان أن دهم رئيس الأركان السوري، آنذاك، أحمد سويداني وكر الجاسوس شاهراً مسدّسه.
ذهب كثيرون لرؤية الجاسوس كوهين بعد إعدامه، لكن لم أذهب، لأنني لا أحبّ مشاهد كهذه، ولا رؤية جثث القتلى في حوادث السير.. والحروب والشجارات.
في زمن الانقلابات العسكرية السورية 1961 ـ 1970، نشرت مجلة «نيوزويك» الأميركية رسماً كاريكاتورياً عن رتل دبابات تحاصر رئاسة الأركان السورية، بينما يصرخ جندي الحراسة على دبابة مخالفة قائلاً: «بالدُّور!».. انتهى انقلاب أمين الحافظ بمقتله بانقلاب مضاد، وأنهى حافظ الأسد بانقلاب هادئ حقبة الانقلابات، لكن جيش سورية دفع ثمن نجاح الجاسوس كوهين في احتلال الجولان.
لمجرد العلم: كانت سورية تخصص نصف ميزانيتها، قبل الوحدة مع مصر، لشؤون الدفاع وتحصين الجولان، ثم ربع الميزانية بعد الوحدة!
إليوت إنجل وفيدريكا مورغيني
في رسالة 11 منظمة يهودية أميركية وأعضاء كونغرس، توقفتُ عند توقيع رئيس لجنة الشؤون الخارجية، النائب إليوت إنجل على بيان موجّه للرئيس ترامب، يحثّه فيه على تضمين «صفقة القرن» مبدأ «حل الدولتين»، وأن تعارض خطط ضمّ إسرائيل، كلياً أو جزئياً، للضفة الغربية.
في اعتقادي، أن توقيع إنجل قد يجعله ثالث رئيس لهذه اللجنة المهمة في الكونغرس يتخذ موقفاً معارضاً لسياسة البيت الأبيض الحالية. كان رئيس سابق للجنة ذاتها، هو جون كيري مؤيداً لـ «حل الدولتين»، حتى قبل أن يصير وزيراً للخارجية حاول تسوية وفق ذلك العام 2014، واعتبر أحد أهم من ترأس اللجنة منذ وليم فولبرايت.
في ذات يوم صدور الرسالة، أعادت مفوّضة الاتحاد الأوروبي، فيدريكا مورغيني، للشؤون الخارجية، تأكيد موقف الاتحاد أمام البرلمان الأوروبي، بخصوص معارضته الاعتراف الأميركي بسيادة إسرائيل على الجولان السورية المحتلة، وغياب «حل الدولتين» من مشروع الرئيس ترامب قيد الإعداد.. والتسريبات!
للتذكير، كان البرلمان الأوروبي، وبعض برلمانات أبرز الدول الأعضاء، قد حثّت حكوماتها على الاعتراف بدولة فلسطين، كما فعل البرلمان الإيرلندي، والفرنسي، والبريطاني، والإيطالي.. لكنه ترك لكل دولة اتخاذ هذه الخطوة، المشروطة باعتراف حكومات الاتحاد جماعياً بفلسطين دولة، علماً أن حكومة السويد تبقى الوحيدة التي تجاوبت مع قرار برلمانها حتى الآن!
من بين المنظمات الأميركية اليهودية، هناك أقواها تأثيراً، وهي (AIPAC) الموالية لإسرائيل، وكذلك «جي ـ ستريت» المعارضة والموازية لها، بينما أركان الصفقة الثلاثة مؤيدون كبار لسياسة الحكومة الإسرائيلية الحالية.
إلى ذلك، أصدر 48 عضو كونغرس، من الديمقراطيين والجمهوريين بياناً يؤيد «حل الدولتين» وإنْ عارض بشدة حركة (BDS)، الداعية إلى مقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات فيها.
معظم اليهودية الأميركية تنتمي للتيار الإصلاحي، بينما معظم اليهودية الإسرائيلية تنتمي للتيار المحافظ الأرثوذكسي. الأولى تؤيد الديمقراطيين عموماً، والثانية تؤيد اليهودية المحافظة الإسرائيلية غالباً.
زهاء 78% من أعضاء الحزب الجمهوري الأميركي يؤيدون إسرائيل، مقابل 28% من أعضاء الحزب الديمقراطي، وهؤلاء اتهمهم ترامب «باليسارية» كما يفعل نتنياهو إزاء معارضيه في إسرائيل!