بقلم طلال سلمان
تنشر "السفير" بعضاً مما قيل في مناسبة تكريم الراحل كلوفيس مقصود، الذي أمضى حياته سفيراً للقضايا العربية في المحافل الدولية، تقديراً منها للراحل الكبير.
ابن وادي شحرور وكفرشيما، الذي استقبله والده معلقاً: «صبي بشع بس مهيوب»، الذي نشأ في أحضان يسارية جورج حنا وتقدمية كمال جنبلاط وعروبة جمال عبد الناصر والشيوعية الانتقائية لجوزيب تيتو.
القارئ حتى إتعاب عينيه، والمحاضر حتى إتعاب جمهوره، الطريف في تعليقاته التي لا تبلغ ذروتها إلا في حضور مناكفه ومنافسه منح الصلح أو «البيك» اختصاراً وتعريفاً بهذا العارفة الذي لا يغيب عن علمه أحد أو بلد أو واقعة، ولا يهمل قلمه حدثاً أو حزباً أو قائداً وإن عفَّ عن النساء.. والذي امتنع عن التوقيع مع أنه كتب مجلدات في شؤون لبنان والقضايا العربية لثقته بأن القارئ سيعرفه من الكلمة الأولى.
خطب كلوفيس مقصود الداعية أكثر مما كتب كلوفيس مقصود المفكر، وحاول إحياء جامعة الدول العربية بإكسير العروبة وبركات الشاذلي القليبي، وناصر فلسطين كاتباً بالعربية والانكليزية وخطيباً باللغات جميعاً والإشارات والحفلات والمحاضرات. واجه دعاة إسرائيل الناطقين بالانكليزية والفرنسية والعبرية والسنسكريتية ولغة الإشارات فهزمهم جميعاً.. ولم ينتصر بقومه!
لقد انتدب كلوفيس مقصود نفسه ليكون صوت الأمة. ولما تهاوت الجامعة العربية قرر أن يكون هو الجامعة. ولما اندثرت أو كادت تندثر العروبة في سياسات الدول متدثرة العباءات المذهّبة قرر الداعية أن يتحول إلى حزب فجبهة، ثم اندفع يقول: أنا الأمة، وكل هؤلاء هواء بهواء.
كان شديد التهذيب. لكن ذلك لم يمنعه مرة من أن يقول رأيه. أحياناً يغلفه بالتاريخ، وغالباً بالنكتة، أحياناً بإشارات مكلفة، وفي أحيان أخرى بتغيير موضوع الحديث، ثم تمرير رأيه في سياق مختلف.
كان الداعية، كتابة وخطابة والرواية الطريف الظريف في مجالس الأنس.
ولقد اكتملت دنياه مع حياته بالمناضلة ذات البهاء المشع والشجاعة التي يستولدها الإيمان، هالة سلام، فأمدّته بطاقة إضافية، وأكملت عليه دنياه، وأمدّته بشجاعة فوق شجاعته، وهي تنصب خيمة الاحتجاج، باسم فلسطين، أمام البيت الأبيض في واشنطن، لتشهد العاصمة الكونية على جرائم العدو الإسرائيلي التي يجبن العالم، عادة، أمامها فيكتفي بالإدانة اللفظية، كأن الكلام المفرغ من المعنى يعيد الحياة إلى المقتول ظلماً على أرض وطنه، والذي يراد إجباره على نسيان انتمائه إلى ترابه وسمائه وحجره ومائه وشمسه ونجومه وانتماء أرضه إليه حياً وميتاً.
لقد فقدنا رجلاً عظيماً. ابناً صادقاً لهذه الأمة التي يتنكر لها الآن الكثير من قادتها المهابين.