بقلم طلال سلمان
سنة بعد سنة، تشع أضواء عيد المعرفة والكلمة الآخذة إلى الغد في معرض الكتاب الذي يجتهد النادي الثقافي العربي في حمايته قبل تنظيمه، وتأتي إليه الدولة مدعوة أكثر منها راعية، فيقول ممثلها كلمات كتبت له، ثم يعبر مستعرضاً الكتب التي لن يقرأها، قبل ان تغمر جماهير القراء والقارئات، وبالذات الطلبة والطالبات الذين تأتي بهم بعض المدارس لـ «الفرجة» والتنزه بين أصحاب الأقلام.
معرض الكتاب تظاهرة حضارية تعطي المدينة بعض سمات التقدم: ان فيها شعباً يقرأ... وبقدر ما تتزايد أعداد الكتب وأعداد المتجولين في سوق المعرفة والشعر والنقاش الذي يشمل علاقات الإنسان بذاته وبمحيطه، كذلك همومه وشوقه للحياة، والحب الذي يترقرق قصائد وتأوهات وأخيلة تصعد بالإنسان إلى أجواء صوفية يصطرع فيها الوجد بالعشق والغرام بالجنس، وتنطلق الأخيلة إلى الفضاءات التي يتعذر على صواريخ الرواد أن تطالها.
ان يصمد هذا المعرض دليل إضافي على أن القراءة، بشميم الحبر، وفسحة التأمل التي تشغل الوجدان، والعلاقة بالكلمة ـ النور، والفكرة البكر التي تحرك العقل، والقصيدة التي تسرح بقارئها إلى آفاق مسحورة يتمنى لو يعيش فيها عمره الأصلي..
أن يظل للكتاب، للمجلة، للصحيفة، للمطبوع عموماً، مكانه في صباحاتنا وأمسياتنا...
أن تظل الكلمة حاملة الشوق، المثقلة بمطر الحب، محاورة الوجدان، مثقلة بإنسانيتنا في عصر يكاد يجعلنا رسوماً متحركة..
أن يحجر الفتية والفتيات، ولو إلى حين، تلك الآلة التي يفترضون أنها تغني عن المعارف بالاستدلال إلى الطريق، أو الاستغناء عن الذاكرة، أو اعتبار الوجدان بعض آثار الماضي المتحجر..
أن تلامس الأصابع الورق فتحمل شميم الحبر، وأن تعانق العين الكلمات ويسرح العقل في دلالاتها، وأن ترفعك القصيدة إلى أعلى عليين فتهوم بين الملائكة الذين يتدلى من بينهم الحبيبُ مطرزاً بالنجوم فيأخذك في رحلة سحرية إلى أعلى عليين..
في البدء كان الكلمة..
الكلمة المشعة. التي تلفك بأحضان الهمس فتدفئك من برد، وتشع في أفقك النجوم فوق موج من الآهات تغزل شوقك للحياة.
أن تقرأ يعني أنك حي.
الجهل موت معلَن.
الكلمة إكسير الحياة.
أليس في البدء كان الكلمة؟!
هي السنة الستون لهذا الإنجاز المعني بالثقافة في لبنان.. هذا ممتاز.
نتمنى أن لا تقضي المبتكرات العلمية الجديدة والتي تعبر عن عصر التقدم الإنساني، على الكتاب وفعل القراءة والقراء..