الهدف كان العراق وليس النظام
آخر تحديث GMT 17:29:13
 فلسطين اليوم -

الهدف كان العراق وليس النظام

 فلسطين اليوم -

الهدف كان العراق وليس النظام

خير الله خير الله
بقلم : خير الله خير الله

في مثل هذه الأيّام، كان الجيش الأميركي يزحف، انطلاقاً من الجنوب، باتجاه بغداد التي دخلها في التاسع من نيسان 2003. دخلت المنطقة يومذاك مرحلة جديدة، هي مرحلة بداية الزلزال العراقي الذي لا تزال تفاعلاته مستمرّة إلى اليوم على غير صعيد، بما في ذلك العراق نفسه وكلّ المنطقة المحيطة به، خصوصاً منطقة الخليج العربي ومنطقة الهلال الخصيب الممتدة من العراق إلى فلسطين، مروراً بسورية ولبنان.

شاهد العالم التغييرات التي حصلت على الأرض منذ العام 2003. تأكّد العالم وقتذاك أن إيران كانت الشريك الفعلي في الحرب الأميركية على العراق، خصوصاً بعدما تبيّن أنّها خرجت، أقلّه في المدى القصير، الطرف الوحيد المنتصر في هذه الحرب التي قُتل فيها آلاف الجنود الأميركيين وكلّفت الخزينة الأميركية تريليونات الدولارات. ما يثير الحيرة إلى اليوم، لماذا صدر القرار الأميركي باحتلال العراق في أعقاب "غزوتيْ واشنطن ونيويورك" اللتين شنهما تنظيم "القاعدة" الذي كان يتزعّمه أسامة بن لادن في الحادي عشر من أيلول 2001؟

لم تكن للعراق، الذي كان تحت حصار وعقوبات دولية بسبب مغامرة احتلال الكويت صيف العام 1990، أي علاقة من قريب أو من بعيد بـ"القاعدة" وأسامة بن لادن الذي كان في أفغانستان. بين الإرهابيين الـ19 الذين شاركوا في "الغزوتيْن"، كان هناك مواطن لبناني اسمه زياد الجرّاح ينتمي إلى جماعة "فتح – المجلس الثوري" التي يتزعمها صبري البنّا المعروف بـ"أبو نضال". كان "أبو نضال" مُنشقّا عن "فتح" وقد ربطته علاقات مشبوهة مع تنظيمات إرهابية ذات مشارب مختلفة، بما فيها "القاعدة".

قطعاً لأي تأويل، تخلّص النظام العراقي وقتذاك من "أبو نضال"، الذي قيلَ: إنّه "انتحر" بمنزله في بغداد. على الرغم من ذلك كلّه، وُجدَ في واشنطن من يربط بين النظام العراقي الذي على رأسه صدّام حسين، و"القاعدة"، علماً أن وقائع كثيرة كانت تشير إلى علاقة ما بين "القاعدة" ومجموعات محسوبة على إيران وليس العراق. منذ اليوم الأوّل لأحداث الحادي عشر من أيلول 2001، تبرّع مسؤولون في إدارة جورج بوش الابن لتحميل العراق جزءاً من مسؤولية "الغزوتين".

طالب بول ولفوويتز، نائب وزير الدفاع الأميركي، في الاجتماع الأول الذي انعقد على مستوى كبار المسؤولين برئاسة جورج بوش الابن بالرد على "الغزوتيْن" في العراق. كان ذلك الاجتماع في منتجع كامب ديفيد. تولّى كولن باول، وزير الخارجية آنذاك إسكاتَ ولفوويتز، مؤكداً له أنه لا معلومات لدى الإدارة الأميركية عن أيّ علاقة بين صدّام حسين و"القاعدة". لكنّ ولفوويتز، أصرّ على موقفه.

بعد انفضاض الاجتماع، سُئل نائب وزير الدفاع، وكان من غلاة المحافظين الجدد في إدارة بوش الابن، عن السبب الذي دفعه إلى التركيز على العراق، علماً أن قيادة "القاعدة" في أفغانستان كانت تحت حكم "طالبان"، أجاب بالحرف الواحد: "زرعت البذور"، أي أنّه أسس لعملية الاجتياح العسكري للعراق. هذا ما نشرته مجلّة "فانيتي فير" في تقرير طويل عن مرحلة ما بعد 11 أيلول 2001 والقرارات التي اتخذت في تلك المرحلة والتي غيّرت وجه العالم بما في ذلك إجراءات السفر داخل الولايات المتحدة وخارجها.

لا يزال السؤال – اللغز، لماذا قرار اجتياح العراق؟ كان الجواب، وقتذاك: إنه لا بدّ من التخلّص من النظام الذي قهر العراقيين. لا شكّ أن النظام العراقي كان دكتاتورياً، ولكن ما الفارق بينه وبين النظام السوري؟ الأهمّ من ذلك، ما الفارق بينه وبين النظام في إيران الذي على يديه دماء مئات الأميركيين، بدءاً بعملية نسف سفارة الولايات المتّحدة في بيروت في نيسان العام 1983، ثمّ مقر المارينز قرب مطار بيروت في تشرين الأوّل 1983 من تلك السنة أيضاً؟

أكثر من ذلك، كيف تذهب الولايات المتحدة إلى حرب ضد العراق في وقت كان جيشها منشغلاً بأفغانستان بحثاً عن "القاعدة" وقيادييها وعلى رأسهم بن لادن؟ لا تزال أميركا تعاني إلى الآن من حرب أفغانستان التي لم تستطعْ وضع نهاية لها. الدليل على ذلك، أنّها مضطرة في السنة 2020 إلى توقيع اتفاق مع "طالبان"، وهو اتفاق بطعم الهزيمة. يجد وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو نفسه مضطراً هذه الأيام للذهاب إلى كابول لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من الاتفاق مع "طالبان" التي حمتْ أسامة بن لادن، ووفرت له كلّ ما يحتاجه من أجل الإعداد لـ"غزوتيْ واشنطن".

إنّه قرار أميركي محيّر بالفعل، لكن الخلاصة التي يمكن الخروج بها بعد كل تلك السنوات التي مرّت على دخول الأميركيين إلى بغداد سعياً لإقامة نظام جديد، وهو ما تبيّن أنّه مهمّة مستحيلة، أنّ الهدف كان العراق وليس النظام. لو لم يكن الأمر كذلك، كيف كان يمكن لدولة مثل الولايات المتحدة، تعتبر القوّة العظمى الوحيدة في العالم، خوض مغامرة من نوع احتلال العراق من دون أن تكون قد أعدّت نفسها لمرحلة ما بعد الاحتلال؟ الأسوأ من ذلك كلّه، أن الطفل كان يعرف أن احتلال العراق بالطريقة التي حصلت كانت تعني تقديم البلد على صحن من فضّة إلى إيران من جهة، والإخلال بالتوازن الإقليمي على كلّ صعيد ومجال من جهة أخرى.

ما استتبع الاحتلال الأميركي كان قيام نظام عراقي غير قابل للحياة، خصوصاً في ظلّ تهميش السنّة العرب عن سابق تصوّر وتصميم، وإعطاء الأكراد وعوداً غير قابلة للتطبيق. مع مرور الوقت، أي مرور سبعة عشر عاماً على إسقاط تمثال صدّام حسين في بغداد، بدأ يتكشف أن المطلوب في كلّ وقت كان الانتهاء من العراق. لم يكن النظام والكلام عن امتلاكه أسلحة للدمار الشامل، بينها أسلحة كيميائية، سوى حجج واهية لتحقيق هدف معيّن اسمه العراق.

في 2020، تكتشف أميركا الحاجة إلى العراق الذي عاد يقاوم إيران من منطلق أن النزعة الوطنية العربية ما زالت تجمع بين معظم العراقيين، بمن في ذلك الشيعة. هل باتت واشنطن تمتلك رؤية أكثر وضوحاً لما يمكن أن تقوم به في العراق، تفادياً لاستمرار المشروع التوسعي الإيراني الذي بدأت تعرف الآن أنّه موجّه ضدها أصلاً؟ الأهمّ من ذلك كلّه هل يمكن إعادة تركيب العراق بعد كلّ هذا التفكّك والتحلّل الذي أصاب النسيج الاجتماعي الذي صار التخلّف من أهمّ ميزاته؟

كلّ ما يمكن قوله، أنّه بات معروفاً ما حلّ بالعراق، وما الهدف من احتلاله، لكن السؤال – اللغز ما زال لغزاً.

قد يهمك أيضا :  

سقوط آخر لبريطانيا

   حسابات روسية وتركية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الهدف كان العراق وليس النظام الهدف كان العراق وليس النظام



GMT 22:40 2024 السبت ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

ترمب... وما ورائيات الفوز الكبير

GMT 21:38 2023 الإثنين ,13 آذار/ مارس

سيمافور المحطة!

GMT 21:36 2023 الإثنين ,13 آذار/ مارس

يراها فاروق حسنى

GMT 21:34 2023 الإثنين ,13 آذار/ مارس

«بكين» هل تنهي نزاع 40 عاماً؟ (2)

GMT 21:32 2023 الإثنين ,13 آذار/ مارس

ماذا حل بالثمانيتين معاً؟

إطلالات هند صبري تلهم المرأة العصرية بأناقتها ورقيها

القاهرة ـ فلسطين اليوم
تعَد هند صبري واحدة من أبرز نجمات العالم العربي، التي طالما خطفت الأنظار ليس فقط بموهبتها السينمائية الاستثنائية؛ بل أيضاً بأسلوبها الفريد والمميز في عالم الموضة والأزياء. وفي يوم ميلادها، لا يمكننا إلا أن نحتفل بأناقتها وإطلالاتها التي طالما كانت مصدر إلهام للكثير من النساء؛ فهي تحرص على الظهور بإطلالات شرقية تعكس طابعها وتراثها، وفي نفس الوقت، تواكب صيحات الموضة بما يتناسب مع ذوقها الخاص ويعكس شخصيتها. إطلالة هند صبري في مهرجان الجونة 2024 نبدأ إطلالات هند صبري مع هذا الفستان الأنيق الذي اختارته لحضور مهرجان الجونة 2024، والذي تميّز بأناقة وأنوثة بفضل قَصته المستوحاة من حورية البحر، مع زخارف تزيّنه وتذكّرنا بقشور السمك. وهو من توقيع المصممة سهى مراد، وقد زاد سحراً مع الوشاح الطويل باللون الرمادي اللامع وبقماش الساتان، ال...المزيد

GMT 12:11 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
 فلسطين اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 17:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفل بـ40 عامًا من الابتكار في مهرجان "نيسمو" الـ25
 فلسطين اليوم - "نيسان" تحتفل بـ40 عامًا من الابتكار في مهرجان "نيسمو" الـ25

GMT 08:51 2019 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

يتحدث هذا اليوم عن بداية جديدة في حياتك المهنية

GMT 21:38 2020 الأحد ,03 أيار / مايو

حاذر التدخل في شؤون الآخرين

GMT 06:51 2019 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

أبرز الأحداث اليوميّة لمواليد برج"الحمل" في كانون الأول 2019

GMT 07:28 2020 الخميس ,18 حزيران / يونيو

«الهلال الشيعي» و«القوس العثماني»

GMT 01:18 2017 الأحد ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

وفاة "أيقونة" رفع الأثقال بعد صراع مع المرض

GMT 22:54 2016 الجمعة ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

أصحاب دور العرض يتجهون إلى رفع "عمود فقرى" من السينما

GMT 10:32 2020 الأربعاء ,20 أيار / مايو

فساتين خطوبة للممتلئات بوحي من النجمات

GMT 16:35 2020 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

أحدث تصاميم ديكور لحدائق المنزل

GMT 17:03 2019 الأربعاء ,13 شباط / فبراير

اعتقال موظف وعشيقته داخل مقر جماعة في شيشاوة

GMT 12:46 2019 الخميس ,24 كانون الثاني / يناير

العقوبات الأميركية تطال منح الطلاب الفلسطينيين في لبنان
 
palestinetoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

palestinetoday palestinetoday palestinetoday palestinetoday