العرب ولبنان الذي لم يسقط بعد
آخر تحديث GMT 21:12:46
 فلسطين اليوم -

العرب.. ولبنان الذي لم يسقط بعد

 فلسطين اليوم -

العرب ولبنان الذي لم يسقط بعد

بقلم : خير الله خير الله

لو تعرّض أي بلد من بلدان المنطقة لجزء مما تعرّض له لبنان منذ نصف قرن، لكان هذا البلد في خبر كان. قاوم اللبنانيون وما زالوا يقاومون. المهم أن يدرك العرب عموما أن جزءا أساسيا من هذه المقاومة اللبنانية يستهدف منع سقوط البلد نهائيا تحت الجزمة الإيرانية.

صمود لبنان
لم يسقط لبنان بعد. الخيار العربي بالتخلي عنه ليس خيارا. لو لم تكن للبنان كل تلك الأهمية، على الرغم من كل الأحداث المصيرية التي تدور على أرض سوريا، لما كان كل هذا التركيز الإيراني عليه.

هل لبنان مهم أم لا؟ هل يفترض أن يحصل لبنان على دعم عربي لمساعدته في الصمود في وجه المشروع التوسعي الإيراني الذي جعل من “حزب الله” أداة من أدواته؟ لم يعد “حزب الله” مجرّد حزب لبناني، لا لشيء سوى لأنه لم يكن يوما كذلك. كان دوما عبارة عن ميليشيا مذهبية تشكّل لواء من ألوية “الحرس الثوري” الإيراني. هناك الآن ما هو أبعد من ذلك بكثير بعد الدور الذي لعبه مقاتلو الحزب من اللبنانيين، على صعيد إبقاء بشّار الأسد في دمشق في ظلّ حماية إيرانية وبفضل الدعم الروسي.

ليس سرّا أنّ المشروع التوسّعي الإيراني الذي أسس له آية الله الخميني بعد استيلائه على السلطة في إيران في مثل هذه الأيّام من العام 1979، إنما انطلق من لبنان بعدما صدّه العراق. كان ذلك بفضل التعاون القائم بين النظـام في سوريا، وكان على رأسه حافظ الأسـد، والنظام الجديد في إيران. كان في أساس هذا التعاون الرابط المذهبي ذو الأبعاد السياسية وذلك بغض النظر عمّا إذا كان العلويون في سوريا مسلمين أم لا.

عرف حافظ الأسد كيف يبتز العرب، خصوصا أهل الخليج بواسطة إيران، وعرف في الوقت ذاته كيف يبتز إيران التي كانت في حاجة إلى بلد عربي يدعمها في حربها مع العراق بين العامين 1980 و1988. تفوّق حافظ الأسد على الإيرانيين في لعبة ممارسة الدهاء… لكنّهم انتصروا عليه في نهاية المطاف عندما استغلوا إدخاله لهم إلى لبنان لإقامة قاعدة فيه. ما لبثت هذه القاعدة أن توسّعت إلى أبعد حدود في عهد بشّار الأسد.

وضع بشّار الأسد، منذ اليوم الذي خلف فيه والده، كل بيضه في السلة الإيرانية. شارك، بطريقة أو بأخرى، في ارتكاب جريمة اغتيال رفيق الحريري ورفاقه في شباط – فبراير من العام 2005. دفع ثمن ذلك خروجه عسكريا وأمنيا من لبنان. كانت تلك فرصة لا تعوّض كي تسعى إيران إلى ملء الفراغ الذي خلفه انتهاء الوصاية السورية.

قاوم لبنان في مرحلة ما بعد الخروج السوري محاولات فرض الوصاية الإيرانية عليه بشراسة. قاوم اللبنانيون السلاح الإيراني الموجّه إلى صدورهم العارية، والذي حمله مقاتلو “حزب الله”، منذ اليوم الأول لاغتيال رفيق الحريري. تلت الاغتيال سلسلة من الجرائم كان الهدف منها تغطية الجريمة الكبيرة. ذهبت ضحية هذه الجرائم مجموعة كبيرة من اللبنانيين الشرفاء الذين يؤمنون بالفعل بعروبة لبنان ودوره الطليعي في المنطقة ورفضه أي وصاية خارجية. خسر لبنان سمير قصير وجورج حاوي وجبران تويني ووليد عيدو وبيار أمين الجميّل وأنطوان غانم ووسام عيد ووسام الحسن ومحمد شطح. هؤلاء ضحوا بحياتهم من أجل لبنان واستقلال لبنان مع الشهداء الأحياء مثل مروان حماده وميّ شدياق.

تظل المقاومة اللبنانية، على الرغم من كلّ ما تعانيه من انقسامات، في وضع أقوى من المقاومة الفرنسية للنازيين الذين دخلوا باريس دخول الفاتحين وكانوا يحظون بدعم قسم لا بأس به من المواطنين الفرنسيين

قاوم لبنان ولا يزال يقاوم. ما تعرّض له لبنان منذ العام 1969، تاريخ توقيع اتفاق القاهرة المشؤوم لم يتعرّض له غيرهم. أقام الفلسطينيون، بدعم من النظام السوري، بل بدفع منه، قواعد عسكرية في لبنان، وذلك قبل أن يحتكر حافظ الأسد السلطة في سوريا في خريف العام 1970. فالأسد الأب كان وزيرا للدفاع منذ العام 1966 ولعب كل الأدوار المطلوبة منه كي يؤمن له الأميركي والإسرائيلي وضع اليد على لبنان.

جلس العرب في معظم الأحيان يصفقون لحافظ الأسد الذي استغل إلى أبعد حدود جريمة غزو صدام حسين للكويت في العام 1990. كانت تلك فرصة لا تعوض كي يشارك، ولو رمزيا، في إخراج القوات العراقية من الكويت، في مقابل استكمال السيطرة السورية على لبنان، كل لبنان.لا شك أن العرب، على رأسهم المملكة العربية السعودية ساعدوا لبنان في صموده، لكنّ ما لا بدّ من أخذه في الاعتبار أن ثمة حاجة مستمرة إلى مواجهة المشروع التوسعي الإيراني الذي بلغ اليمن عن طريق اعتماد سياسة النفس الطويل فيها. هذه السياسة التي يتقنها الإيرانيون هي في أساس الفكرة التي يقوم عليها مشروعهم الذي يستخدم إثارة الغرائز المذهبية خير استخدام.

لم يسقط لبنان كليا ونهائيا بعد، وذلك على الرغم من كلّ الضربات التي تلقاها. كان ينهض بعد كل ضربة. نهض من ضربة اغتيال رفيق الحريري ورد بتظاهرة الرابع عشر من آذار – مارس 2005 التي أخرجت النظام السوري من أراضيه. نهض من حرب صيف 2006 التي افتعلها “حزب الله” ومكّنت إسرائيل من تدمير جزء من البنية التحتية. نهض من الاعتصام وسط بيروت الذي استهدف تعطيل الحياة الاقتصادية وتهجير أكبر عدد من اللبنانيين، خصوصا من المسيحيين، إلى خارج لبنان. انتصر لبنان في حرب مخيم نهر البارد الفلسطيني التي استهدفت إقامة “إمارة إسلامية” في الشمال اللبناني وتصوير أهله بأنهم “إرهابيون” من منطلق أنهم سنة في معظمهم، وأنهم من أنصار “تيار المستقبل”. نهض لبنان بعد غزوة بيروت والجبل في أيار – مايو 2008 ومنع “حزب الله” من السيطرة على مجلس النوّاب في انتخابات 2009.

صحيح أنّه لم تحصل ترجمة على الأرض لهذا الانتصار في تلك الانتخابات التي بذل فيها “حزب الله” والذين يقفون وراءه كلّ ما يستطيعون لتأمين الحصول على أكثرية نيابية. لكنّ الصحيح أيضا أن اللبنانيين أرادوا القول، بكل بساطة، أن السلاح الذي واجه أهل بيروت والجبل لن يقضي على رغبتهم بالتمسك بثقافة الحياة.

في أساس المقاومة اللبنانية الشعور العميق أن المطلوب بقاء لبنان جزءا لا يتجزأ من الأسرة العربية. فالملفت أن كل الجهود الإيرانية منصبة منذ سنوات عدّة على عزل لبنان عن محيطه العربي وتحويل صحافته ووسائل الإعلام فيه إلى أبواق في خدمة “الممانعة”. فوق ذلك كله، يبدو مطلوبا أن تكون بيروت قاعدة للإعلام الإيراني في المنطقة. وهذا ما يفسّر ذلك النشاط الحوثي وغيره من النشاطات المماثلة من العاصمة اللبنانية…

لم يسقط لبنان بعد. الخيار العربي بالتخلي عنه ليس خيارا. لو لم تكن للبنان كلّ تلك الأهمّية، على الرغم من كلّ الأحداث الكبيرة والمصيرية التي تدور على أرض سوريا، لما كان كلّ هذا التركيز الإيراني عليه وعلى كيفية إحكام السيطرة على مجلس النوّاب الجديد الذي يفترض أن تأتي به انتخابات السادس من أيّار – مايو المقبل.

لم ينته لبنان بعد ولم يسقط. في عز الاحتلال الألماني لفرنسا إبان الحرب العالمية الثانية، بقيت بريطانيا تساعد المقاومة الفرنسية التي جسدها الجنرال شارل ديغول. ظـل ونستون تشرشل يدعم ديغول في الوقت الذي كانت القوات الأميركية والحليفة تستعد للانطلاق من الأراضي البريطانية لتحرير فرنسا من النازية.

تظل المقاومة اللبنانية، على الرغم من كلّ ما تعانيه من انقسامات، في وضع أقوى من المقاومة الفرنسية للنازيين الذين دخلوا باريس دخول الفاتحين وكانوا يحظون بدعم قسم لا بأس به من المواطنين الفرنسيين الذين فضلوا التعاون مع المحتل على مقاومة الاحتلال.

هناك أكثرية لبنانية ترفض التعاون مع المحتل. هذه الأكثرية لا يمكن الاستخفاف بها في حال كان مطلوبا عربيا متابعة التصدي للمشروع الإيراني الذي يعتقد أصحابه أنّهم وحدهم من يمتلك النفس الطويل…

المصدر : جريدة العرب
العرب اليوم

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

العرب ولبنان الذي لم يسقط بعد العرب ولبنان الذي لم يسقط بعد



GMT 03:23 2023 الجمعة ,03 آذار/ مارس

ستون عاماً على الزلزال السوري

GMT 07:48 2020 الخميس ,06 آب / أغسطس

الحقد … بديل رفيق الحريري

GMT 06:52 2020 الخميس ,02 تموز / يوليو

هروب الدولار من لبنان

GMT 06:21 2020 الخميس ,25 حزيران / يونيو

رهان عربي على مصر.. من ليبيا

إطلالات هند صبري تلهم المرأة العصرية بأناقتها ورقيها

القاهرة ـ فلسطين اليوم
تعَد هند صبري واحدة من أبرز نجمات العالم العربي، التي طالما خطفت الأنظار ليس فقط بموهبتها السينمائية الاستثنائية؛ بل أيضاً بأسلوبها الفريد والمميز في عالم الموضة والأزياء. وفي يوم ميلادها، لا يمكننا إلا أن نحتفل بأناقتها وإطلالاتها التي طالما كانت مصدر إلهام للكثير من النساء؛ فهي تحرص على الظهور بإطلالات شرقية تعكس طابعها وتراثها، وفي نفس الوقت، تواكب صيحات الموضة بما يتناسب مع ذوقها الخاص ويعكس شخصيتها. إطلالة هند صبري في مهرجان الجونة 2024 نبدأ إطلالات هند صبري مع هذا الفستان الأنيق الذي اختارته لحضور مهرجان الجونة 2024، والذي تميّز بأناقة وأنوثة بفضل قَصته المستوحاة من حورية البحر، مع زخارف تزيّنه وتذكّرنا بقشور السمك. وهو من توقيع المصممة سهى مراد، وقد زاد سحراً مع الوشاح الطويل باللون الرمادي اللامع وبقماش الساتان، ال...المزيد

GMT 12:11 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
 فلسطين اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 18:06 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يعزز صحة العين ويسهم في الحفاظ على البصر
 فلسطين اليوم - الفستق يعزز صحة العين ويسهم في الحفاظ على البصر

GMT 17:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفل بـ40 عامًا من الابتكار في مهرجان "نيسمو" الـ25
 فلسطين اليوم - "نيسان" تحتفل بـ40 عامًا من الابتكار في مهرجان "نيسمو" الـ25

GMT 08:51 2019 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

يتحدث هذا اليوم عن بداية جديدة في حياتك المهنية

GMT 21:38 2020 الأحد ,03 أيار / مايو

حاذر التدخل في شؤون الآخرين

GMT 06:51 2019 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

أبرز الأحداث اليوميّة لمواليد برج"الحمل" في كانون الأول 2019

GMT 07:28 2020 الخميس ,18 حزيران / يونيو

«الهلال الشيعي» و«القوس العثماني»

GMT 01:18 2017 الأحد ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

وفاة "أيقونة" رفع الأثقال بعد صراع مع المرض

GMT 22:54 2016 الجمعة ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

أصحاب دور العرض يتجهون إلى رفع "عمود فقرى" من السينما

GMT 10:32 2020 الأربعاء ,20 أيار / مايو

فساتين خطوبة للممتلئات بوحي من النجمات

GMT 16:35 2020 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

أحدث تصاميم ديكور لحدائق المنزل

GMT 17:03 2019 الأربعاء ,13 شباط / فبراير

اعتقال موظف وعشيقته داخل مقر جماعة في شيشاوة

GMT 12:46 2019 الخميس ,24 كانون الثاني / يناير

العقوبات الأميركية تطال منح الطلاب الفلسطينيين في لبنان

GMT 09:52 2020 الأربعاء ,23 كانون الأول / ديسمبر

قناعاتنا الشخصية
 
palestinetoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

palestinetoday palestinetoday palestinetoday palestinetoday