مرحلة ما بعد الحقد على المدن العربية
آخر تحديث GMT 04:16:48
 فلسطين اليوم -

مرحلة ما بعد الحقد على المدن العربية

 فلسطين اليوم -

مرحلة ما بعد الحقد على المدن العربية

بقلم :خير الله خير الله

ما الذي يجمع بين كل هؤلاء الدكتاتوريين الذين هبطوا على المدن العربية من خلال انقلابات عسكرية أو الشعارات ذات الطابع الديني؟ ما الذي يجمع بين جمال عبدالناصر ومعمّر القذّافي، مرورا بحافظ الأسد وصدّام حسين، وصولا إلى قادة الميليشيات السنيّة مثل “داعش” أو الشيعية التي تقف وراءها إيران والتي صار لديها انتشار في سوريا والعراق ولبنان واليمن؟

يجمع بين كلّ هؤلاء ذلك الكره للمدينة والحقد عليها وعلى أهلها بدل التعلّم منها ومنهم والاستفادة من كل ما توفرّه المدينة من أجواء تسمح بالاختلاط والتلاقح بين الحضارات المختلفة، وهو اختلاط يصنع فكرة التسامح والاعتراف بالآخر والتوق إلى الترقي والانتماء إلى كلّ ما هو حضاري في هذا العالم.

يروي دبلوماسيون عرب وأجانب أنّ العاصمة الليبية طرابلس كانت من أجمل المدن وأكثرها رقيّا قبل الانقلاب الذي قاده معمّر القذّافي في 1969. كانت هناك حياة اجتماعية وأماكن راقية في المدينة.

كانت طرابلس أقرب إلى مدينة إيطالية من أيّ مدينة أخرى في العالم العربي. قضت “ثورة الفاتح من سبتمبر” على المدينة وعلى فكرة تلاقي الحضارات فيها.

أسّس ما حصل في مصر مع مجيء “الضباط الأحرار” إلى السلطة في تموز- يوليو 1952 لسلسلة التحولات التي شهدتها المدن العربية. رويدا رويدا، قضي على القاهرة والإسكندرية.

لم يدر جمال عبدالناصر أن الأهمّ من تأميم قناة السويس، في العام 1956، كان المحافظة على الجاليات الأجنبية في القاهرة والإسكندرية والإسماعيلية والمدن الأخرى.

كان هؤلاء يبنون أماكن جميلة ويحافظون على المدينة وعلى فكرة الرصيف والحدائق والطرقات الواسعة والتخطيط المدني ويرفعون مستوى التعليم في مصر كلّها. ثمة من سيقول إنّهم كانوا مسؤولين عن الطبقية في مصر.

يمكن أن يكون ذلك صحيحا، إلى حدّ ما. ولكن ما البديل الذي جاء به عبدالناصر عندما سمح بتحويل أحياء القاهرة والإسكندرية إلى مناطق شعبية يقيم فيها ضباطه. ما مصير القاهرة والإسكندرية وما مستقبلهما ومن لا يزال يتذكّر الإسماعيلية وأماكنها الجميلة؟

كانت تلك نقطة البداية لاجتياح الريف للمدينة، تماما كما حصل في العراق حيث تعرّضت بغداد لغزوة البعثيين الآتين من قراهم للانتقام من المدينة. من يعرف شيئا عن البصرة حاليا باستثناء أنّها تشبه ضاحية فقيرة في مدينة إيرانية بعدما كانت في مرحلة معيّنة قبلة أهل الخليج، خصوصا أهل الكويت؟

الأمر نفسه ينطبق على دمشق التي لم تعد فيها كلمة تعلو على كلمة الضابط العلوي أو السنّي الريفي. حتّى اللاذقية لم تنج من اجتياح الريف. كانت المدينة تضمّ نخبة سورية خرج منها رجال مصارف ومقاولون كبار عرف لبنان قيمة عدد منهم عندما انتقلوا إليه في ستينات القرن الماضي.

كانت الإسكندرية مدينة سنّية-مسيحية. كانت علاقاتها بشمال لبنان من النوع العميق، فإذا بها تتحوّل إلى موقع لـ”الشبيحة” ولكل مراكز القوى التي أنتجها نظام حافظ الأسد وأشقاؤه ابتداء من العام 1970.

مع مرور الوقت، لم تعد مصر تؤثّر في العالم العربي. لم تعد القاهرة تلك المدينة التي ينطلق منها “التنوير” على كلّ صعيد. في السنوات الأخيرة من عهد حسني مبارك، صار قطاع غزّة الذي أقامت فيه “حماس” ما يمكن تسميته بـ”إمارة إسلامية” على الطريقة الطالبانية، نسبة إلى طالبان مؤثرا في مصر.

صارت القاهرة والإسكندرية تتأثران بغزّة، بدل أن يكون العكس هو الصحيح. في صيف العام 2009، شاهدت بنفسي مناظر مضحكة مبكية لنساء جلسن على شاطئ تابع لأحد فنادق الإسكندرية

أين مصر التي كانت تصدّر كلّ ما هو حضاري وتقدّمي إلى دول المنطقة، بما في ذلك لبنان في مرحلة ما. في تلك المرحلة، كان على كل فنان لبناني أن يذهب إلى مصر في حال كان يسعى إلى الشهرة الواسعة التي تفوق حدود الوطن الصغير.

ما نشهده حاليا من تدمير لكلّ مدينة في سوريا أو تغيير لطبيعتها نتيجة مباشرة لما خلّفه نظام حافظ الأسد، وهو شخص كان يكره المدينة ولا يتذكّر سوى المعاملة المذلة لبعض الإقطاعيين لأهل الريف. هذا كان صحيحا بعض الشيء فقط. لكن الصحيح أنّ الريف السوري لم يتطوّر في عهد حافظ الأسد أو في عهد وريثه. صار هناك إقطاع من نوع جديد فرضه ضباط علويون ينتمون إلى فئة معيّنة بالتحالف مع رجال أعمال من كلّ الطوائف يعملون لمصلحة عائلة واحدة، هي عائلة الرئيس أو عائلة أقربائه المباشرين.

من “ثورة23 يوليو” في العام 1952 إلى تدمير “داعش”، قبل أيّام، منارة الحدباء ذات الأهمّية التاريخية والتابعة لمسجد النوري في مدينة الموصل، مسافة خمسة وستين عاما. إنّه تاريخ طويل من الهزائم والنكسات توجت بالوضع الذي آل إليه المشرق العربي وقسم من شمال أفريقيا حيث يبقى المغرب الاستثناء الوحيد والأوحد بفضل ملوكه الذين حافظوا على المدينة وعلى النسيج الاجتماعي للمملكة.

بعد مرحلة الانقلابات العسكرية، دخلت المنطقة مرحلة تدمير المدن والمجتمعات. وحدها بيروت صمدت في منطقة المشرق العربي بفضل رجل اسمه رفيق الحريري المهووس بلبنان الذي سعى أيضا إلى إنقاذ سوريا ولكن من دون نتيجة.

ما الذي سيلي مرحلة تدمير المدن العربية؟ ذلك هو السؤال الكبير الذي سيطرح نفسه عاجلا أم آجلا. هل هي مرحلة المواجهة بين الميليشيات المذهبية التي ترعاها إيران والتنظيمات الإرهابية السنّية التي ولدت من رحم الإخوان المسلمين الذين ما زالوا يتحكّمون بغزة؟

الثابت أن المرحلة الجديدة في غاية الخطورة، خصوصا مرحلة ما بعد الموصل وتهجير أهلها على يد “الحشد الشعبي” الذي وجد في “داعش” خير حليف له من أجل تنفيذ مآربه.

الثابت أيضا أن ليس مسموحا بقاء غزّة تلعب دورا مؤثرا في الداخل المصري. ليس كافيا أن تردّ مصر على الإرهاب الذي استهدف أقباطها في المنيا بضربات يشنها سلاحها الجوي في ليبيا.

ثمة حاجة إلى الانتهاء من ظاهرة “الإمارة الإسلامية” في غزة التي أسست لمرحلة تدمير المدن والمجتمعات العربية. الانتهاء من هذه الظاهرة يحيي الأمل بعودة بعض الروح إلى الدور المصري وإلى رغبة في التصدي للمخاطر الآتية التي نتجت عن سنوات طويلة من التعلّق بالأوهام والشعارات التي أوصلت المشرق العربي وشمال أفريقيا إلى ما وصلا إليه من حال تشرذم تقود إلى سؤال كبير آخر: إلى أين سيذهب “الحشد الشعبي” الذي يتلقى تعليماته من إيران بعد الانتهاء من تدمير الموصل؟

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مرحلة ما بعد الحقد على المدن العربية مرحلة ما بعد الحقد على المدن العربية



GMT 03:23 2023 الجمعة ,03 آذار/ مارس

ستون عاماً على الزلزال السوري

GMT 07:48 2020 الخميس ,06 آب / أغسطس

الحقد … بديل رفيق الحريري

GMT 06:52 2020 الخميس ,02 تموز / يوليو

هروب الدولار من لبنان

GMT 06:21 2020 الخميس ,25 حزيران / يونيو

رهان عربي على مصر.. من ليبيا

إطلالات هند صبري تلهم المرأة العصرية بأناقتها ورقيها

القاهرة ـ فلسطين اليوم
تعَد هند صبري واحدة من أبرز نجمات العالم العربي، التي طالما خطفت الأنظار ليس فقط بموهبتها السينمائية الاستثنائية؛ بل أيضاً بأسلوبها الفريد والمميز في عالم الموضة والأزياء. وفي يوم ميلادها، لا يمكننا إلا أن نحتفل بأناقتها وإطلالاتها التي طالما كانت مصدر إلهام للكثير من النساء؛ فهي تحرص على الظهور بإطلالات شرقية تعكس طابعها وتراثها، وفي نفس الوقت، تواكب صيحات الموضة بما يتناسب مع ذوقها الخاص ويعكس شخصيتها. إطلالة هند صبري في مهرجان الجونة 2024 نبدأ إطلالات هند صبري مع هذا الفستان الأنيق الذي اختارته لحضور مهرجان الجونة 2024، والذي تميّز بأناقة وأنوثة بفضل قَصته المستوحاة من حورية البحر، مع زخارف تزيّنه وتذكّرنا بقشور السمك. وهو من توقيع المصممة سهى مراد، وقد زاد سحراً مع الوشاح الطويل باللون الرمادي اللامع وبقماش الساتان، ال...المزيد

GMT 17:36 2020 الثلاثاء ,27 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الجوزاء الإثنين 26 تشرين الثاني / أكتوبر 2020

GMT 10:19 2019 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

الأحداث المشجعة تدفعك إلى الأمام وتنسيك الماضي

GMT 16:13 2014 الأربعاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

الدكتورة أميرة الهندي تؤكد استحواذ إسرائيل على ثلث المرضى

GMT 22:32 2016 الثلاثاء ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

عروض فنية للأطفال في افتتاح مسرح "متروبول"

GMT 06:02 2019 الخميس ,25 إبريل / نيسان

تألق سويفت ولارسون وكلارك وصلاح في حفل "تايم"

GMT 14:01 2020 الخميس ,06 شباط / فبراير

تجاربك السابقة في مجال العمل لم تكن جيّدة

GMT 09:04 2019 الثلاثاء ,01 كانون الثاني / يناير

سكارليت جوهانسون تُوضِّح أنّ وقف تقنية "deepfake" قضية خاسرة

GMT 06:31 2018 الإثنين ,17 كانون الأول / ديسمبر

خبراء يكشفون عن أسوأ 25 كلمة مرور تم استعمالها خلال عام 2018

GMT 15:38 2018 الجمعة ,07 كانون الأول / ديسمبر

أحمد أحمد يتوجّه إلى فرنسا في زيارة تستغرق 3 أيام

GMT 09:02 2018 الجمعة ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

"إسبانيا" الوجهة المثالية لقضاء شهر عسل مميز

GMT 04:53 2015 الأحد ,15 آذار/ مارس

القلادة الكبيرة حلم كل امرأة في موضة 2015
 
palestinetoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

palestinetoday palestinetoday palestinetoday palestinetoday