السودان والرهان العربي
آخر تحديث GMT 12:11:16
 فلسطين اليوم -

السودان والرهان العربي

 فلسطين اليوم -

السودان والرهان العربي

بقلم : خير الله خير الله

ماذا عن المرحلة الراهنة؟ ماذا إذا عاد المدنيون إلى السلطة؟ الأكيد أن السودان في حاجة إلى قيادات سياسية من نوع مختلف. على هذه القيادات إثبات أن الدعم العربي للسودان يستأهل ذلك الرهان على شعبه. من المهمّ أن تعلن المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة عن مساعدات مالية للسودان في هذه الظروف. 

تعكس هذه الخطوة شجاعة سياسية من جهة، وبعد نظر من جهة أخرى. إنّها استثمار في المستقبل قبل أيّ شيء آخر ورهان على السودان وعلى ما يمتلكه من ثروات وعلى قدرة شعبه على الاستفادة من تجارب الماضي.تؤكّد مثل هذه المبادرة السعودية – الإماراتية للسودانيين أنّ هناك من هو مستعد للوقوف إلى جانبهم في هذه المرحلة الحساسة التي يمرّ فيها بلدهم.

 أكثر من ذلك، إنّها تكشف وجود جرأة سياسية في الرياض وأبوظبي وإصرارا على أخذ المبادرة، خصوصا في المناطق التي يمكن للتطورات السلبية فيها أن تشكّل تهديدا لأمن الخليج خصوصا والأمن العربي عموما.في النهاية، ما كان ممكنا التخلّص من نظام عمر حسن البشير، وهو نظام متخلّف وفاسد بكلّ المقاييس، لولا نزول الشعب السوداني إلى الشارع. كان هناك إصرار استمرّ نحو خمسة أشهر على التخلص من البشير الذي كان الوجه البشع للسودان.إذا كان التخلّص من البشير بمثابة الجهاد الأصغر، فإن الجهاد الأكبر في التخلّص من مخلّفات هذا النظام الذي مكّن الإخوان المسلمين، بعباءاتهم المتنوعة، من التسلّل إلى كل المواقع الحساسة في مؤسسات الدولة السودانية، خصوصا في كل ما له علاقة بالتربية والتعليم والثقافة، فضلا بالطبع عن المؤسسات الأمنية.يظلّ الأساس ما قام به الشعب السوداني. هذا الشعب الذي انتفض في وجه البشير وقال له كلمة كفى وأنّه لم تعد لديه أرانب يستطيع سحبها من قبّعته، كما يفعل السحرة. 

يمكن البناء على هذا الأساس، خصوصا إذا تبيّن أن عبدالفتاح البرهان الذي يقف حاليا على رأس المجلس العسكري الانتقالي ضابط من طينة مختلفة، أي أنّه قادر على التفاهم مع المجتمع المدني والاتفاق مع ممثليه على الإسراع في تشكيل حكومة مدنية تتولى إدارة مؤسسات الدولة، وتشرف على عملية تطهير في العمق من مخلفات الإخوان المسلمين الذين عرفوا كيف يتسلّلون إلى المواقع الحساسة للدولة.لم يكن تخلّص البشير من خصومه في تسعينات القرن الماضي، على رأسهم حسن الترابي، كافيا لوضع حدّ للخطر الذي يمثله الإخوان على مستقبل السودان. على العكس من ذلك، جمع الرئيس السوداني المخلوع الذي بقي في السلطة ثلاثين عاما، بين الدكتاتورية العسكرية وكل أنواع الانتهازيين الذين يستخدمون الإسلام في خدمة أغراض سياسية. 

جمع بين أسوأ ما في العسكر وأسوأ ما في الإخوان المسلمين الذين لعبوا أدوارا أساسية في كلّ ما من شأنه الاستثمار في التخلّف.يبقى ما حدث في قطاع غزّة الذي استولت عليه حركة “حماس” في حزيران – يونيو 2007 خير دليل على ذلك. إلى يومنا هذا، لا تزال “حماس” تراهن على البقاء في السلطة إلى ما لا نهاية بغض النظر عن الكوارث التي تسبّبت بها لأهل غزّة المحاصرين وللشعب الفلسطيني ومشروعه الوطني عموما. قدّمت “حماس” في السنوات العشرين الأخيرة، في القطاع والضفّة، كلّ الخدمات المطلوبة منها إسرائيليا من أجل القضاء على المشروع الوطني الفلسطيني.سبق للسعودية والإمارات، بمشاركة من الكويت وقتذاك، أن دعمت مصر في العام 2013. كان هناك في الأساس رفض شعبي مصري لبقاء الإخوان المسلمين في السلطة بعد استيلائهم عليها، عن طريق صناديق الاقتراع ظاهرا، في حين كان الواقع شيئا مختلفا كلّيا. فقد تظاهر الإخوان في البداية أنّهم زاهدون بالسلطة. أخفوا طموحاتهم وشبقهم لها إلى اليوم الذي تأكدوا فيه أن لديهم من يدعمهم في تحقيق ما يصبون إليه.كان بين الذين دعموا توجهاتهم، التي تُوّجت بإيصال محمد مرسي إلى الرئاسة، بعض كبار الضباط في الجيش الذين تحالفوا معهم في المرحلة التي سبقت إسقاط حسني مبارك. جاء إسقاط مبارك في سياق ثورة شعبية حقيقية عرف الإخوان كيف يستغلونها لمصلحتهم وإنْ لفترة بقيت قصيرة نسبيا.بغض النظر عن التقييم الموضوعي لما آلت إليه الأوضاع في مصر بعد الثورة على نظام الإخوان المسلمين، فالأمر الذي لا شكّ فيه أن الدعم السعودي – الكويتي – الإماراتي لعب في 2013 دورا في الحؤول دون سقوط هذا البلد العربي. هناك تطور اقتصادي لا يمكن تجاهله في مصر.

 تؤكد ذلك لغة الأرقام. هناك أيضا دور عربي لمصر في مجال مواجهة الإرهاب بكلّ أشكاله، خصوصا في غزّة وصحراء سيناء وليبيا. هذا يعني، بكلّ بساطة، أنّ الرهان العربي على مصر كان في محلّه على الرغم من وجود حاجة إلى مزيد من الانفتاح السياسي، وإنْ في حدود معيّنة وذلك من أجل إغلاق كلّ الأبواب في وجه تسلّل الإخوان المسلمين إلى إدارات الدولة ومؤسساتها.لم تسقط مصر، التي كانت في عهد محمد مرسي تدار من غزّة. عادت مصر تؤثّر في غزّة وليس غزّة التي تؤثر في مصر.

 هذا هو المهمّ. كان مهمّا أن تستعيد مصر دورها الطبيعي بعيدا عن التدهور الذي عرفته في السنوات الأخيرة من حكم حسني مبارك أو في المرحلة التي كان محمّد مرسي رئيسا.لعلّ السؤال الذي يطرح نفسه حاليا: السودان إلى أين؟ سيتوقف الكثير على ما سيفعله الضابط الذي اسمه عبدالفتّاح البرهان. هل يستطيع التصرّف بشكل حضاري بعيدا عن السلوك السخيف لمعظم الضباط في عالمنا العربي؟ في المقابل، هناك مسؤولية كبيرة تقع على عاتق الذين انتفضوا على عمر حسن البشير وكلّ ذلك البؤس الذي رافق السنوات الثلاثين التي أمضاها في السلطة. ليس معروفا بعد هل هناك قيادات سياسية سودانية من نوع مختلف. قيادات قادرة على التعلّم من دروس الماضي القريب، أي منذ استقلال السودان في العام 1956 وتولّي مدنيين السلطة.تكمن مشكلة السودان في أنّ القيادات السياسية التاريخية لم تستطع في أيّ يوم تحمّل مسؤولياتها. سهّلت هذه القيادات عودة العسكر إلى السلطة في ثلاث مناسبات. في العام 1958، عن طريق إبراهيم عبّود، وفي 1969 عن طريق جعفر نميري، وفي 1989 عن طريق عمر حسن البشير.كلّ ما فعله العسكر، خصوصا في عهد النميري والبشير، هو إغراق البلد في التخلّف لمصلحة التيّار الديني المتطرّف الذي يحاول الإخوان المسلمون التغطية عليه ببعض الشعارات البرّاقة التي تظلّ عند الممارسة مجرّد شعارات فارغة.ماذا عن المرحلة الراهنة؟ ماذا إذا عاد المدنيون إلى السلطة؟ الأكيد أن السودان في حاجة إلى قيادات سياسية من نوع جديد ومختلف، وليس فقط إلى ضباط يؤمنون بأن مهمّتهم تقتصر على واجب الدفاع عن البلد وليس ممارسة صلاحيات رئيس الجمهورية ورئاسة الحكومة والوزراء. الأكيد أيضا أن على هذه القيادات السياسية إثبات أن الدعم العربي للسودان يستأهل ذلك الرهان على شعبه.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

السودان والرهان العربي السودان والرهان العربي



GMT 22:40 2024 السبت ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

ترمب... وما ورائيات الفوز الكبير

GMT 21:38 2023 الإثنين ,13 آذار/ مارس

سيمافور المحطة!

GMT 21:36 2023 الإثنين ,13 آذار/ مارس

يراها فاروق حسنى

GMT 21:34 2023 الإثنين ,13 آذار/ مارس

«بكين» هل تنهي نزاع 40 عاماً؟ (2)

GMT 21:32 2023 الإثنين ,13 آذار/ مارس

ماذا حل بالثمانيتين معاً؟

تارا عماد تتألق بإطلالات عصرية ملهمة لطويلات القامة من عاشقات الموضة والأناقة

القاهرة ـ فلسطين اليوم
تلهم النجمة المصرية تارا عماد متابعاتها العاشقات للموضة بإطلالاتها اليومية الأنيقة التي تعكس ذوقها الراقي في عالم الأزياء، بأسلوب هادئ ومميز، وتحرص تارا على مشاركة متابعيها إطلالاتها اليومية، وأيضا أزياء السهرات التي تعتمدها للتألق في فعاليات الفن والموضة، والتي تناسب طويلات القامة، وهذه لمحات من أناقة النجمة المصرية بأزياء راقية من أشهر الماركات العالمية، والتي تلهمك لإطلالاتك الصباحية والمسائية. تارا عماد بإطلالة حريرية رقيقة كانت النجمة المصرية تارا عماد حاضرة يوم أمس في عرض مجموعة ربيع وصيف 2025 للعبايات لعلامة برونيلو كوتشينيلي، والتي قدمتها الدار في صحراء دبي، وتألقت تارا في تلك الأجواء الصحراوية الساحرة بإطلالة متناغمة برقتها، ولونها النيود المحاكي للكثبان الرملية، وتميز الفستان بتصميم طويل من القماش الحرير...المزيد

GMT 12:11 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
 فلسطين اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 06:02 2020 الخميس ,04 حزيران / يونيو

لا تتهوّر في اتخاذ قرار أو توقيع عقد

GMT 13:42 2020 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

أعد النظر في طريقة تعاطيك مع الزملاء في العمل

GMT 19:16 2020 الإثنين ,04 أيار / مايو

ينعشك هذا اليوم ويجعلك مقبلاً على الحياة

GMT 14:22 2020 الإثنين ,19 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الحمل الإثنين 26 أكتوبر/تشرين الثاني 2020

GMT 07:37 2019 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

تفتقد الحماسة والقدرة على المتابعة

GMT 07:39 2019 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

تعيش أجواء مهمة في حياتك المهنية والعاطفية

GMT 22:52 2023 الإثنين ,13 آذار/ مارس

هيفاء وهبي تتألّق بفستان مرصع بالكريستال

GMT 01:41 2020 الأربعاء ,08 تموز / يوليو

تحقق قفزة نوعية جديدة في حياتك وانطلاقة مميزة

GMT 05:58 2020 الخميس ,04 حزيران / يونيو

تعيش ظروفاً جميلة وداعمة من الزملاء

GMT 18:41 2019 الأربعاء ,13 شباط / فبراير

أميركا توسع قائمة العقوبات ضد إيران

GMT 21:49 2017 الإثنين ,11 كانون الأول / ديسمبر

انتقال النسخة الـ23 من بطولة كأس الخليج إلى الكويت

GMT 16:12 2016 الخميس ,30 حزيران / يونيو

أجنحة الدجاج بالليمون والعسل

GMT 09:12 2017 الأربعاء ,04 تشرين الأول / أكتوبر

استبعاد تاج محل من كتيب السياحة الهندي يُثير السخرية
 
palestinetoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

palestinetoday palestinetoday palestinetoday palestinetoday