روسيا في مقعد القيادة… وإسرائيل من خلف
آخر تحديث GMT 04:16:48
 فلسطين اليوم -

روسيا في مقعد القيادة… وإسرائيل من خلف

 فلسطين اليوم -

روسيا في مقعد القيادة… وإسرائيل من خلف

بقلم : خيرالله خيرالله

لم يعد من مجال للشكّ في أنّ روسيا موجودة في مقعد القيادة في سوريا. لكنّ الملفت في الأمر أن من يدير اللعبة السورية، من خلف الجانب الروسي وبالتفاهم معه هو إسرائيل. يؤكد ذلك الكلام الصادر عن السفير الروسي في تل أبيب عن بدء انسحاب القوات الإيرانية الموجودة في سوريا إلى مناطق تبعد خمسة وثمانين كيلومترا عن خط وقف النار بين سوريا وإسرائيل.

إذا كان من عبارة تختصر نتائج القمة التي انعقدت في هلسنكي يوم السادس عشر من تمّوز – يوليو الماضي بين الرئيسين دونالد ترامب وفلاديمير بوتين، فإن هذه العبارة تتمثّل في الاتفاق الأميركي – الروسي على “حماية أمن إسرائيل”. من الواضح بالنسبة إلى الجانبين، الأميركي والروسي، أن الأولوية هي لأمن إسرائيل من جهة، وضرورة خروج إيران من سوريا من جهة أخرى. هذا لا يعني أن إيران ستخرج غدا. هناك تفهّم إسرائيلي لعدم قدرة روسيا على تنفيذ المطلوب منها لجهة الانسحاب الإيراني من سوريا. في نهاية المطاف، لا وجود لقوات روسية على الأرض السورية، فيما تلعب إيران وميليشياتها دورا كان مفترضا أن تلعبه مثل هذه القوّات في ظل تغطية من سلاح الجو الروسي.

تحوّلت عملية إخراج الإيرانيين من سوريا إلى قضيّة في غاية التعقيد، خصوصا في ظلّ النقص في العديد البشري لدى الألوية التابعة للنظام. كان أفضل تعبير عن هذا النقص استخدام النظام لـتنظيم “داعش” في تأديب الطائفة الدرزية في محافظة السويداء، وذلك من أجل إجبارها على المشاركة في الحرب التي يشنّها النظام مع إيران وروسيا على الشعب السوري.

كان محزنا ذلك الصمت الدولي والإقليمي حيال المجزرة التي تعرّض لها أبناء الطائفة الدرزية في محافظة السويداء. لم يعد هناك من يريد أن يدرك أن الدروز في سوريا ولبنان وفلسطين والأردن ليسوا طائفة هامشية، بمقدار ما أنّهم جزء لا يتجزأ من النسيج الاجتماعي، أينما كان لديهم وجود. ليس الصمت العربي والدولي سوى دليل على وجود تواطؤ معيّن يستهدف تعويم شخص لا مجال لتعويمه اسمه بشّار الأسد، شخص مستعدّ لعمل أيّ شيء من أجل البقاء في دمشق، وذلك في وقت بات واضحا أن لا أمل في إنقاذ ما يمكن إنقاذه من سوريا في غياب مرحلة انتقالية حقيقية، تنتهي بقيام سلطة جديدة تشرف في المستقبل على إيجاد صيغة جديدة لسوريا ما بعد رحيل النظام الأقلّوي الذي يحكمها منذ العام 1966، وليس منذ العام 1970، تاريخ تفرّد حافظ الأسد بالسلطة تمهيدا لتوريث ابنه صيف العام 2000.

سيتوجب في القريب العاجل الإجابة عن سؤالين في غاية الأهمّية. أولهما ما الذي تريده إسرائيل التي باتت تمتلك الكثير من الأوراق السورية بعدما تبيّن أنّها من يتحكّم بالقرار الأميركي؟ السؤال الآخر هل في استطاعة روسيا قيادة المرحلة الانتقالية في سوريا؟

من الواضح بالنسبة إلى الجانبين، الأميركي والروسي، أن الأولوية هي لأمن إسرائيل من جهة، وضرورة خروج إيران من سوريا من جهة أخرى

سيتوقف الكثير على ما إذا كان بشّار الأسد قادرا على الذهاب إلى النهاية في تنفيذ المطلوب منه إسرائيليا بعد إيصاله سوريا إلى ما وصلت إليه بسبب عمق العلاقة بينه وبين إيران من جهة، وجهله في التوازنات الإقليمية والدولية من جهة أخرى، في ظلّ اعتقاده أن ابتزاز الآخرين عبر الأدوات الإرهابية مثل “داعش” سيضمن مستقبلا لنظامه.

سيتوقف الكثير أيضا على ما إذا كانت روسيا تمتلك ما يسمح لها بقيادة مرحلة انتقالية في سوريا. حسنا طرحت موسكو مسألة صياغة دستور جديد، وهي صادقة في إنشاء جيش سوري مختلف نواته الفيلق الخامس الذي تشرف على تأسيسه. وهي في صدد الإعداد لقيام مجلس عسكري يتولّى السلطة عمليا في انتظار انتخابات رئاسية في السنة 2021 بموجب الدستور الجديد.

فوق ذلك كلّه، تخطط روسيا لعودة اللاجئين السوريين من لبنان والأردن. تفعل ذلك تحت عنوان عريض هو قمة هلسنكي بين ترامب وبوتين. هذه تبدو خريطة الطريق الروسية التي لم تأخذ في الاعتبار أن الوضع السوري ليس بالبساطة التي تعتقدها، خصوصا لجهة بقاء بشّار الأسد في دمشق حتّى السنة 2021 حين يفترض إجراء انتخابات رئاسية.

كشفت مجزرة السويداء غياب المنطق في كلّ ما تقوم به روسيا في سوريا. لا يمكن للمجزرة التي ارتكبت في حقّ الدروز أن تساهم بأي شكل في نجاح المرحلة الانتقالية في سوريا. دروز سوريا ليسوا مثل أيزيديي العراق، الذين ذهبوا ضحية “داعش” في العام 2014. حتّى لو كان الدروز أقلّية في سوريا، ما لا يمكن تجاهله أنهم ليسوا طائفة ثانوية. يشكل الدروز طائفة مؤسسة للكيان السوري في شكله الحالي مثلما أنّهم طائفة مؤسسة للكيان اللبناني. أكثر من ذلك، هناك عصبية درزية تجمع بين كلّ الدروز أكانوا في فلسطين أو سوريا أو لبنان أو الأردن أو الجولان.

أن تستهين روسيا بالدروز يعني أنّها لا تعرف سوريا جيدا، ولا تريد الاعتراف بأنّ لا مكان لبشّار الأسد في أي مرحلة انتقالية بغض النظر عن القدرة على تهميش دوره في تلك المرحلة. الأهم من ذلك كله كيف سيكون التعاطي مع إيران؟ وهل صحيح أنّها تنسحب تدريجيا من سوريا وباتت على مسافة خمسة وثمانين كيلومترا من خط وقف النار في الجولان؟

عاجلا أم آجلا، سيتبين هل تستطيع روسيا ممارسة الدور الذي رسمته لنفسها في سوريا؟ ما سيتبين خصوصا هل تستطيع فهم مدى عمق العلاقة بين بشّار الأسد وإيران وأن لا مجال لديها في فكّه عن طهران، فضلا عن توفير كلّ الضمانات المطلوبة إسرائيليا؟

لا خلاف على أن الحلف الروسي – الإسرائيلي هو الحلف الأكثر عمقا في المنطقة. لا خلاف أيضا على أن أميركا تخلت عن دورها في سوريا لمصلحة إسرائيل وذلك على الرغم من وجودها العسكري البالغ الأهمّية شرق الفرات. لا يُغني كلّ هذا الكلام عن الاعتراف بأن ساعة الحقيقة آتية. ما الذي يمكن عمله ببشار الأسد الذي تلوثت يداه بدماء ما يزيد على نصف مليون سوري، وما الذي يمكن عمله بالوجود العسكري الإيراني في سوريا؟

تزداد التعقيدات السورية، حتّى لو بدا أنّ الأمور بدأت تتحلحل وأنّ الدروز تلقوا ضربة قويّة قد تحملهم على إعادة النظر في موقفهم من مشاركة أبناء الطائفة في الحرب على الشعب السوري.

ليس بعيدا اليوم الذي سيظهر فيه بشكل جلي أن الانتصار على الشعب السوري لن يوفّر أيّ حل في سوريا. التسوية الوحيدة الممكنة تقوم على انتصار الشعب السوري بكلّ مقوماته، بدل الرهان على حلف الأقلّيات الذي هو رهان إيراني، كما هو إسرائيلي قبل أيّ شيء آخر. هل يكفي الرهان المشترك بين هذين الطرفين كي يتمكن الجانب الروسي من إيجاد صيغة تعايش بينهما في سوريا، وتفادي صدام ذي أبعاد في غاية الخطورة على المنطقة كلّها وعلى خرائط الدول التي تتشكّل منها؟

المصدر: العرب

المقال يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

روسيا في مقعد القيادة… وإسرائيل من خلف روسيا في مقعد القيادة… وإسرائيل من خلف



GMT 03:23 2023 الجمعة ,03 آذار/ مارس

ستون عاماً على الزلزال السوري

GMT 07:48 2020 الخميس ,06 آب / أغسطس

الحقد … بديل رفيق الحريري

GMT 06:52 2020 الخميس ,02 تموز / يوليو

هروب الدولار من لبنان

GMT 06:21 2020 الخميس ,25 حزيران / يونيو

رهان عربي على مصر.. من ليبيا

إطلالات هند صبري تلهم المرأة العصرية بأناقتها ورقيها

القاهرة ـ فلسطين اليوم
تعَد هند صبري واحدة من أبرز نجمات العالم العربي، التي طالما خطفت الأنظار ليس فقط بموهبتها السينمائية الاستثنائية؛ بل أيضاً بأسلوبها الفريد والمميز في عالم الموضة والأزياء. وفي يوم ميلادها، لا يمكننا إلا أن نحتفل بأناقتها وإطلالاتها التي طالما كانت مصدر إلهام للكثير من النساء؛ فهي تحرص على الظهور بإطلالات شرقية تعكس طابعها وتراثها، وفي نفس الوقت، تواكب صيحات الموضة بما يتناسب مع ذوقها الخاص ويعكس شخصيتها. إطلالة هند صبري في مهرجان الجونة 2024 نبدأ إطلالات هند صبري مع هذا الفستان الأنيق الذي اختارته لحضور مهرجان الجونة 2024، والذي تميّز بأناقة وأنوثة بفضل قَصته المستوحاة من حورية البحر، مع زخارف تزيّنه وتذكّرنا بقشور السمك. وهو من توقيع المصممة سهى مراد، وقد زاد سحراً مع الوشاح الطويل باللون الرمادي اللامع وبقماش الساتان، ال...المزيد

GMT 03:57 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

تظاهرة تضامنية مع غزة في العاصمة الأردنية عمّان
 فلسطين اليوم - تظاهرة تضامنية مع غزة في العاصمة الأردنية عمّان

GMT 02:22 2017 الأربعاء ,20 كانون الأول / ديسمبر

أبل تقلّل أداء الموديلات القديمة للحفاظ على البطارية

GMT 14:47 2017 الأحد ,29 تشرين الأول / أكتوبر

فوزي غلام يستمر مع نابولي ويجدد لفقراء الجنوب

GMT 08:57 2014 الإثنين ,29 كانون الأول / ديسمبر

نصائح إيمي تشايلدز لتعيش حفل رأس سنة مميز

GMT 08:55 2015 الأربعاء ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

ترشيح ثلاثة مدربين لقيادة نادي "اتحاد الشجاعية"

GMT 20:31 2019 الأربعاء ,16 كانون الثاني / يناير

"أسرة فيلم الفيل الأزرق2" تنتهي من تصوير العمل بعد أسبوعين

GMT 07:59 2018 الخميس ,27 كانون الأول / ديسمبر

السياح يغلقون فنادق موسكو في أعياد رأس السنة الجديدة

GMT 18:08 2018 السبت ,22 كانون الأول / ديسمبر

سانتياغو سولاري في حيرة بسبب خط الوسط قبل مواجهة "العين"
 
palestinetoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

palestinetoday palestinetoday palestinetoday palestinetoday