إذا صح أن الأحداث التي تعصف بالمنطقة العربية قد جاءت نتاجاً لخطة أمريكية، أفصحت عنها قبل سنوات وزيرة الخارجية "كونداليزا رايس" حين تحدثت عن الفوضى الخلاقة، فلماذا لا يكون الانكفاء الأمريكي، وعدم التدخل المباشر من المنطقة، جزءاً من مؤامرة تقضي بأن تكون إسرائيل هي البديل القادر على توفير الأمن في المنطقة، والقادر على توفير المعلومة الاستخبارية، ومحط انظار التحالفات، والناظم للعلاقات الثنائية بين دول المنطقة.
ما يعزز الاجتهاد السابق في الرأي هو منظومة التطمينات الإسرائيلية لهذا الغياب الأمريكي، وكأن الأمر مرتب، ودون هذا الترتيب فإن الأجدر بإسرائيل الغريبة عن المنطقة، والمعتدية على حقوق سكانها أن تكون هي الأكثر رعباً وقلقاً جراء الغياب الأمريكي عن الساحة، ولكن الذي يبدو حتى هذه اللحظة من تصريحات الإسرائيليين يغاير المألوف، ومنها:
1- تأكيد رئيس الوزراء الإسرائيلي نتانياهو بأن دولة إسرائيل جزء حيوي في تحالف محاربة الإرهاب في المنطقة، وهي تتعاون مع عديد الدول في هذا الشأن.
2- التأكيد على أن مصالح إسرائيل تلتقي مع مصالح الكثير من الدول العربية في مواجهة التهديد النووي الإيراني.
3- التأكيد على ارتباط إسرائيل بعلاقات ثنائية وثيقة مع أكثر من دولة عربية، بل والقيام بنشاطات ثنائية سرية في أكثر من مجال.
4- التأكيد على أن حل القضية الفلسطينية يمر من بوابة العلاقة الوثيقة بين إسرائيل والعديد من الدول العربية والإسلامية، وبهذا شطبت إسرائيل مقولة: حل القضية الفلسطينية هو البوابة لعلاقة إسرائيل مع الدول العربية والإسلامية.
5- استخفاف نتانياهو بالرئيس الأمريكي، وإضعافه، والانتصار عليه في عقر بيته، وكل هذا شكل مؤشراً على قوة إسرائيل، وقدرتها على تعديل مسار السياسة الأمريكية.
6- تنافس مرشحي الرئاسة الأمريكية على تقبيل يد إسرائيل، وتقديم الطاعة للمستوطنين الصهاينة؛ تقرباً من يهود أمريكا، وانصياعاً لنفوذهم الطاغي.
7- تسابق أطراف الصراع في المنطقة العربية على طلب يد إسرائيل، والتقرب إليها، حتى باتت مصالحها محور التحالفات واللقاءات والزيارات والمعاهدات مع دول المنطقة.
يستطيع المراقب للصراع في منطقتنا العربية أن يستشف بأن ما جرى حتى هذه اللحظة يصب في صالح إسرائيل، ولكن لا يستطيع أحد أن يضمن النتائج التي تسعى إسرائيل إلى ضبطها وفق إيقاع مصالحها، لذلك جاء الانكفاء الأمريكي الهادف إلى إعطاء الفرصة لإسرائيل لأن تكون هي محور تفكيك المنطقة وإعادة تركيبها، وما دون ذلك، فكيف نصدق أن يهود أمريكا قد عجزوا عن منع إدارة أوباما من التوقع على الاتفاق النووي الإيراني، في الوقت الذي يصفق فيه أعضاء الكونجرس الأمريكي 31 مرة وقوفاً لنتانياهو؟
وكيف نصدق أن أمريكا قد أدارت ظهرها للمنطقة العربية، وكشفت ظهر حليفتها إسرائيل، دون أن تكون قد كلفتها بالقيام بكل المهام التي كانت تقوم فيها أمريكا، مع ضمان التغطية المالية والتكنولوجية والتسليحية لكل الأنشطة الأمنية الإسرائيلية.
وأخيراً، تعالوا لنتفق على أن الأسس التي تقوم عليها العلاقات الاستراتيجية بين أمريكا وإسرائيل هي أكثر صلابة من الأسس التي تقوم عليها العلاقات الفيدرالية بين الجمهوريات الأمريكية نفسها، وذلك يرجع إلى أن اليهود هم من يرسم السياسة الأمريكية الخارجية، وهم الذين يرون في إسرائيل ملهماً روحياً لنشاطهم وأرباحهم ونفوذهم الطاغي على مستوى العالم.
لما سبق فإن الغياب الأمريكي عن أحداث المنطقة مدروس، وقد جاء وفق خطة استراتيجية، وبناءً على معطيات محددة، وستكون له نتائج كارثية على الشعوب العربية؛ التي قد يدفع القلق حكامها لأن يكونوا مطية التحالف اليهودي الهادف إلى السيطرة على العالم.