د.فايز ابو شمالة
رغم خطورتها، فإن الاشتباكات التي دارت في مخيم بلاطة لم تحظَ بتغطية إعلامية تعكس دلالاتها السياسية والتنظيمية، والسبب وفق تقديري يرجع إلى رغبة السلطة الفلسطينية في الإيحاء إلى أن الوضع الأمني في الضفة الغربية مستتب، ولا يوجد معارضة سياسية ولا معارضة مسلحة للقيادة التاريخية، وأن الأمر في المخيمات تحت سيطرة الأجهزة الأمنية.
ورغم خطورة الاشتباكات فإن معظم الفلسطينيين خارج منطقة نابلس لا يعرفون تفاصيل الأسماء التي تشتبك مع قوات الأمن في مخيم بلاطة، ولا يعرفون تفاصيل الأماكن التي تدور فيها الاشتباكات، ولكن معظم الفلسطينيين يعرفون أن حالة الغليان والرفض للسياسة الفلسطينية قد بلغت أشدها، وأن القيادة الفلسطينية قد وصلت سياسيَّا وأمنيًّا وتنظيميًّا واقتصاديًّا إلى حائط السد الذي بدأت عنده تتكسر الأوهام، وتتكشف الأمور على حقيقتها المُرّة.
الاشتباكات المسلحة في مخيم بلاطة كشفت عن وجود سلاحَيْن في الضفة الغربية، سلاح الأجهزة الأمنية الذي مر عبر بوابة المخابرات الإسرائيلية، وتم رصده وترقيمه، وحساب عدد طلقاته، ليقابله سلاح فلسطيني لا تعرفه (إسرائيل)، ولا تحصي عدده، ولا تعرف مصدره، ولا تحفظ شكل الأشخاص الذين يحملونه، وهذا هو السلاح الذي سيقلب ظهر المجن، وسيغير واقع الضفة الغربية، وهو السلاح الذي تخشاه (إسرائيل) وتحرّض على ضبطه وتصفيته ومحاصرته.
تصاعد الاشتباكات المسلحة في الضفة الغربية يفرض على الشعب الفلسطيني أن يحدد موقفًا منها، ولا سيما أن لنتائج هذه الاشتباكات تأثيرًا مباشرًا على مجمل القضية الفلسطينية، وليس صحيحًا ادعاء البعض بأن ما يجري على أرض مخيم بلاطة هو شأن داخلي لتنظيم فتح، فطالما كان القرار السياسي الفلسطيني محكومًا بقبضة حركة فتح، فإن أي أحداث داخلية للحركة ستؤثر في مجمل حياة الشعب الفلسطيني، ولنا في نتائج اتفاقية أوسلو التي قادت التوقيع عليها قيادة حركة فتح خير دليل على تأثيرها في مصير الشعب الفلسطيني بالسلب حتى يومنا هذا.
الاشتباكات المسلحة في الضفة الغربية تعكس رفضًا شعبيًّا عميقًا لمجمل السياسة التي حولت القضية الفلسطينية من قضية وطنية لها الصدارة إلى قضية إنسانية تتوسل الرواتب آخر الشهر، وتنتظر فرج المفاوضات مع الإسرائيليين، ولا تحرك ساكنًا إزاء توسع المستوطنات واعتداءات المستوطنين، ولا تغضب لما يجري من تهويد للقدس، لذلك فإن أي ظاهرة تمرد ومواجهة واشتباك مسلح مع الأجهزة الأمنية هي بشرى خير للشعب الفلسطيني، ورسالة اطمئنان على المستقبل، تؤكد على أن شباب الضفة الغربية لن يستكين، ولن ينهزم أمام مغريات الحياة المادية، وأن الأمل معقود على هؤلاء الرجال في تحالفاتهم مع كل الشرفاء، لخلق واقع فلسطيني جديد قادر على تكسير أرجل طاولة المفاوضات وتهشيم كراسي الخشب المسندة، قبل زجر أولئك الذين ظنوا بأنهم أسياد المرحلة إلى أبد الآبدين.