دموع غزة على وسائد الزمن
آخر تحديث GMT 04:16:48
 فلسطين اليوم -

دموع غزة على وسائد الزمن

 فلسطين اليوم -

دموع غزة على وسائد الزمن

بقلم: د. فايز أبو شمالة

كل شيء تغير في غزة إلا الكرامة، وينقص غزة كل شيء إلا الرجال؛ أينما يممت وجهك تطالعك ألاف الوجوه لأشبال وشباب لا تعرف كيف انشقت عنهم الأرض، وفي عيونهم تمرد، وغضب، وكراهية، ورغبة في الانفجار في وجه الحصار.

الغريب في هذا المشهد الغريب من غزة، أن أهل غزة لم يثوروا على حماس، ولم يتنكروا لها تماماً مثلما لم يتنكر السجناء الفلسطينيون في السجون الإسرائيلية للثورة الفلسطينية، رغم ما لحق بهم، وأصابهم من وجع السجان، وصدأ القضبان، كذلك لم يخرج أهل غزة بمظاهرات تطالب برحيل حماس عن الحكم بصفتها المسئول المباشر عما آلت إليه الأمور في غزة، كما تصور ذلك بعض وسائل الإعلام، وكما يتمنى المختبئون في العتمة، ويتساءلون: أين الشمس؟.

قبل نجاح حماس في انتخابات التشريعية يناير 2006 كانت الخيرات، والمدخرات لدى مواطني غزة وفيرة، وشهدت غزة حالة من العمران والتطور لم تحلم فيها، وكان ما يفيض على أهل غزة من أموال، ومشاريع، ومنشئات، ومنافع، كان يطغى على ما تعرفه من مفاسد البعض، فصمتت غزة راضية حانقة، على أمل التغيير، والإصلاح الذي وعدت فيه "حماس"، فلما جاء وعد "حماس"، فإذا غزة بلا منافع، وأيضاً بلا مفاسد، فليس في غزة من شيء يُفسِد، أو يُفسَد أو يلهث إليه الفاسدون، فغزة يلفها الحصار والمواجهة والدم والنار، فلماذا تصمت، لماذا لا تثور غزة على الواقع الذي تغير معيشياً للأسوأ؟.

ما ليس غريباً عن أهل قطاع غزة أنهم يعرفون محاصرهم الحقيقي، ويسمونه بالاسم، ويعرفون أن للحصار أهدافاً سياسية، وأن المقصود بحصارهم هو انتزاع المواقف، والتسليم بالثوابت، ويعرف أهل غزة أن القدس، ومقدسات المسلمين الدينية هي المستهدفة، وأن التسليم بضياع يافا، وحيفا، وصفد، واسدود، وبيت دراس، وحمامة، والسوافير، والجورة، وبئر السبع، وكل المدن، والقرى الفلسطينية المغتصبة سنة 1948 هو الأصل في الصراع، وأن تصفية قضية اللاجئين على جدول أعمال المفاوضات، لذا لا تسمع في غزة من يتحدث عن ثورة، وعن انتفاضة، وعن غضب داخلي باستثناء البعض ذوي الأهداف الآنية الضيقة، المنشغلون بأنفسهم فقط، وهذا لا يعني أنك لا تجد في غزة من يشتكي الحال المعيشي، وما أكثر المشتكين! وتسمع في غزة من يعترض على ممارسة بعض عناصر حماس، وأخطائهم، وما أكثر المعترضين! وتتلمس الانتقاد لتصريحات بعض مسئولي حماس، وما أكثر المنتقدين لحماس، فهم بشرٌ، وليسوا ملائكة! ولكن لا تجد فلسطينياً عاقلاً موزوناً في قطاع غزة يقول: أن حماس هي السبب المباشر في الحصار، بل على العكس، تلحظ في الأوساط الواعية والمثقفة من الشباب مزيداً من التشبث بالحق التاريخي، والديني في فلسطين، وتتلمس في أوساط الشباب الاستعداد للتضحية، والصبر، وتحميل المسئولية الكاملة لمن التقت مصالحهم الشخصية مع مصالح الدولة العبرية، وتقاسموا معها الضغط على أهل غزة سراً، وعلانية.

وفي كل صباح يحتار أعداء غزة، رغم اختلاف مشاربهم، يفتشون في جدائل شعرها عن ذرة غبار، ويتساءلون: ما سر صمود غزة، متى ستسقط؟ متى ستنهار؟
لم يكلف أعداء غزة أنفسهم عناء قراءة الواقع السياسي الفلسطيني من جديد، لم يدركوا المتغيرات الجوهرية في حياة الناس، ولاسيما بعد أن تذوقت غزة حلاوة طرد الجيش الإسرائيلي بالقوة عن بعض أراضيها، وهذه ليست المرة الأولى في التاريخ التي تحبط فيها غزة أعداءها، وتفشل مخططهم، فقد جاء في كتاب اليهود "التناخ"ـ: 
أن شمشون اليهودي الجبار، قبل ثلاثة ألاف سنة، كان يهاجم غزة، يقتل أبناءها، ويغتصب نساءها، مستخفاً بكل أهل غزة، الذين احتاروا بمصدر قوة "شمشون" إلى أن تحايلوا في اصطياده بخديعة "دليلة" الفلسطينية، وباقي القصة معروف.

الملفت في القصة التاريخية، أن أول عقاب أنزله أهل غزة بشمشون الجبار، إطفاء نور عينيه، وفي ذلك دلالة على أن مصدر القوة الحقيقي لشمشون اليهودي الجبار هو: العين بالمعنى الحقيقي للكلمة، والمعنى المجازي.

لقد أطفأت غزة نور عين عدوها قبل أن تخلع ملابسها، لتستحم عارية من المصالح، لا يسترها في بحر الحصار إلا ثياب الثوابت الفلسطينية، تذرف دمعتها على وسادة الزمن، وتتنهد بصمت، وتهمس: تموتُ الحُرةُ ولا تأكلُ من ثديها.

نشرت هذا المقال في شهر اكتوبر 2008، قبل ثلاثة حروب على غزة.

ثماني سنوات تغيرت الدنيا، ولم تتغير غزة، بل ازدادت قوة وصلابة وثبات.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

دموع غزة على وسائد الزمن دموع غزة على وسائد الزمن



GMT 23:57 2016 الإثنين ,21 آذار/ مارس

معلومات سرية أقدمها للمخابرات الإسرائيلية

GMT 08:21 2016 السبت ,19 آذار/ مارس

في غزة، يكره الناس حماس!!

GMT 18:29 2016 الإثنين ,14 آذار/ مارس

المعلمون والمعلمات درسٌ في المفاوضات

إطلالات هند صبري تلهم المرأة العصرية بأناقتها ورقيها

القاهرة ـ فلسطين اليوم
تعَد هند صبري واحدة من أبرز نجمات العالم العربي، التي طالما خطفت الأنظار ليس فقط بموهبتها السينمائية الاستثنائية؛ بل أيضاً بأسلوبها الفريد والمميز في عالم الموضة والأزياء. وفي يوم ميلادها، لا يمكننا إلا أن نحتفل بأناقتها وإطلالاتها التي طالما كانت مصدر إلهام للكثير من النساء؛ فهي تحرص على الظهور بإطلالات شرقية تعكس طابعها وتراثها، وفي نفس الوقت، تواكب صيحات الموضة بما يتناسب مع ذوقها الخاص ويعكس شخصيتها. إطلالة هند صبري في مهرجان الجونة 2024 نبدأ إطلالات هند صبري مع هذا الفستان الأنيق الذي اختارته لحضور مهرجان الجونة 2024، والذي تميّز بأناقة وأنوثة بفضل قَصته المستوحاة من حورية البحر، مع زخارف تزيّنه وتذكّرنا بقشور السمك. وهو من توقيع المصممة سهى مراد، وقد زاد سحراً مع الوشاح الطويل باللون الرمادي اللامع وبقماش الساتان، ال...المزيد

GMT 02:22 2017 الأربعاء ,20 كانون الأول / ديسمبر

أبل تقلّل أداء الموديلات القديمة للحفاظ على البطارية

GMT 14:47 2017 الأحد ,29 تشرين الأول / أكتوبر

فوزي غلام يستمر مع نابولي ويجدد لفقراء الجنوب

GMT 08:57 2014 الإثنين ,29 كانون الأول / ديسمبر

نصائح إيمي تشايلدز لتعيش حفل رأس سنة مميز

GMT 08:55 2015 الأربعاء ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

ترشيح ثلاثة مدربين لقيادة نادي "اتحاد الشجاعية"
 
palestinetoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

palestinetoday palestinetoday palestinetoday palestinetoday