د.فايز ابو شمالة
عمل مهندساً مع وزارة الإسكان مع بداية تشكل السلطة الفلسطينية سنة 1994 حين كان وزيرها الدكتور زكريا الأغا عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، لقد عمل المهندس عمر زايدة بكل مهنية، ولم يعلن انتماءً سياسياً لأي تنظيم أو حزب سياسي فلسطيني، لقد ظل مهندساً متخصصاً، يترقى وظيفياً حتى عهد الدكتور عبد الرحمن حمد، وزير الأسكان، وعضو اللجنة القيادية العليا لحركة فتح.
لقد كشفت أيام العمل عن كفاءة المهندس عمرة زايدة، وعن إلمامة الجيد بعمله، فترقى حتى صار مديراً لدائرة المساحة في سلطة الأراضي الفلسطينية التي تشكلت بمرسوم رئاسي، صدر سنة 2002 ، برئاسة الأستاذ فريح أبو مدين وزير العدل السابق.
لم يتغير المهندس عمر زايدة، رغم تغيير المسئولين عنه في العمل، ولم يغير من طبعه في الوفاء والعطاء والانتماء للوطن فلسطين بشكل عام، وما كان الأمر سيتغير عليه لولا الانقسام الذي حدث سنة 2007، حين صدرت الأوامر للموظفين بالقعود في بيوتهم.
لقد قرر المهندس عمر زايدة أن يواصل عمله الوظيفي المهني في دائرة المساحة حتى بعد الانقسام الفلسطيني، ولم يقطع الرجل صلته بالمسئول المكلف برئاسة سلطة الأراضي في رام الله، وكان المهندس عمر زايدة واثقاً بأنه مهني، وغير محسوب على أي طرف من طرفي الانقسام، وظل ظنه بالمسئولين الفلسطينيين خيراً، وهو يواصل عمله.
وبدل أن يرقى المهندس على كفاءته، وحرصه على سلامة الوثائق المهمة في سلطة الأراضي، وبدل أن يشكر المهندس لعدم إظهاره أي انتماء حزبي أو تنظيمي في عمله، وبدل أن يكافأ الرجل على وفائه وإخلاصه، كانت المفاجأة أن رام الله قد قطعت راتبه.
المهندس عمر زايدة نموذجاً للعشرات من الموظفين الذين أبت كرامتهم أن يقعدوا في بيوتهم في الوقت الذي تحتاجهم مكاتبهم، بل المهندس عمر نموذجاً لمئات، بل لآلاف الموظفين الفلسطينيين الذين أصروا على مواصلة خدمة الناس بكل جدية، بل وما زالوا يواصلون العمل رغم عدم تسلمهم رواتبهم لأكثر من سنة ونصف.
والغريب في الأمر أن هؤلاء الموظفين الذين لا يتقاضون راتباً يعملون بمثابرة، وكأنهم يأخذون حوافز وظيفية، ويعملون بإخلاص وكأنهم يقبضون بدل تأخير في العمل، إنهم يعملون بنشاط والتزام وكأنهم إحدى مجموعات المقاومة الفلسطينية، وكيف لا، وهم يدركون أن المؤامرة لا تستهدف رواتبهم بمقدار ما تستهدف المقاومة الفلسطينية التي أعجزت العدو الإسرائيلي، وأوصلت صورايخها التفجيرية حتى تل أبيب وحيفا، لذلك ترى الموظفين الذين لا يتقاضون راتباً، يقتنصون بعض الوقت أثناء العمل، ليقوموا بتصنيع قذائفهم الصاروخية المعبأة حقداً وكراهية واحتقاراً، ويرسلونها إلى المقاطعة في رام الله.
وإذا كان قعود الموظف في بيته ثماني سنوات بلا عمل جريمة، يجب أن يحاسب المسئول عنها، وإذا كان قطع راتب الموظف الذي ينتمي إلى حركة حماس جريمة أيضاً، فإن قطع راتب الموظف الذي لا ينتمي إلى حركة حماس جريمة الجرائم التي يجب أن يثور من أجلها شعب، صار يشفق عليه الغريب، ويتآمر عليه القريب .
إن القيادي الفلسطيني الذي لا يشعر بشعور الموظفين الذين مر عليهم أكثر من عام ونصف دون رواتب، هو خارج الدائرة الوطنية مهما تشدق بالألفاظ الوطنية، ومهما توضأ بالكلام عن المقدسات الإسلامية، ومهما صرخ بأعلى صوته عن تمسكه الثوابت الوطنية.