د.فايز ابو شمالة
رحم الله الفنان الفلسطيني المبدع غسان مطر، كان ممثلاً، وكان مبدعاً فنياً، وكان مؤثراً في أدواره، ولكنه لم يكن مناضلاً بالمفهوم الثوري للنضال، كان إنساناً وكان شهماً وكانت له كل الصفات التي يحب مؤيدوه أن يلحقوها به، ولكنه لم يكن مناضلاً بالمفهوم السياسي، ولو كان غسان مطر مناضلاً كما يطبل البعض، فمعنى ذلك أن هز الكتف هو الثورة، وإجادة الرقص هو دليل المقاومة، والغناء بحنجرة الطرب هو الوطنية، وسحقاً للنضال المقترن بالجراح وعذابات الأسر، ولا داعي للنضال المحفوف بإراقة الدماء.
الذين يسخفون النضال الفلسطيني ليسوا أغبياء، هم يدركون ما يفعلون، وهم يهدفون إلى تصغير التضحيات الجسيمة من خلال خلط الأوراق، فأطلقوا لفظة مناضل على المفاوض الفلسطيني، فصارت المفاوضات مع الصهاينة بطولة، وصار وكيل الوزارة الذي يتقاضى راتباً بآلاف الدولارات مناضلاً، وصار قائد أحد الأجهزة الأمنية التي تنسق مع المخابرات الإسرائيلية خطوات اعتقال وتصفية شباب فلسطين مناضلاً، بل ذهب البعض إلى تسطيح لفظة مناضل، فأطلق لها العنان حتى صار راعي الغنم مناضلاً، وصار أصحاب الحرف والمهن الحرة مناضلين، وصارت المرأة في مطبخها مناضلة، وصار الطفل في مدرسته مناضلاً.
إذا كان طلب الحياة والنجاح والتفوق والترقية والوظيفة نضالاً، فماذا أبقيتم من صفات النضال الحق لمن يضحي بدمه وروحه في سبيل الوطن؟ وهل يمكن المقارنة بالنضال بين الأسير كريم يونس الذي مضى عليه أكثر من ثلاثين عاماً في السجون الإسرائيلية وبين سفير فلسطيني في دولة أوروبية له ميزانية إنفاق تعادل ميزانية مخيم لاجئين؟ إن كل أصحاب الحرف والمهن والقيم والقلم أناس يقومون بواجبهم تجاه أسرهم وبيوتهم وتجاه وطنهم، وهم يتقاضون أجراً في نهاية الشهر، أو في نهاية العمل، هؤلاء الحرفيون والمهنيون والمبدعون يناضلون من أجل لقمة العيش، ومن أجل العيش بكرامة في وطن يتوجب ألا تذوب فيه المسافة الدقيقة بين المناضل الذي يضحي بنفسه، ويجود بروحه رخيصة في مواجهة العدو، وبين من يقوم بعمل يعود عليه بالربح، أو يتقاضى مقابله أجراً.
إن تسطيح النضال الفلسطيني، وتعويم لفظة مناضل في بحر من المصطلحات ليس عملاً عفوياً، ولا هو سلوك بريء، تذويب لفظة مناضل في كومة من الأعمال اليومية يقف من ورائه شيطان فكري وإعلامي يعرف إلى أين يوجه الوعي الجماعي الفلسطيني، وهو يحتفل بالذكرى العاشرة لبداية المقاومة الشعبية، ومسيرة بلعين الأسبوعية، دون مراجعة الخطوات، ودون تقييم العمل، إن احترامنا وتقديرنا للجهد المبذول في مسيرة بلعين لا تمنعنا من الوقوف أمام السؤال الكبير: ماذا حققت مسيرة بلعين بعد عشر سنوات من الجهد والعطاء؟ وهل من الصواب أن نواصل مسيرة بلعين بالوتيرة نفسها، ألا يتوجب علينا النظر في وسائل أخرى تتناسب وعنجهية الاحتلال الصهيوني؟ وهل نجحت المقاومة الشعبية بعد عشر سنوات في إيقاف التوسع الاستيطاني؟ وهل شكلت خطراً على أمن المستوطنين؟ إلى متى سنظل نصفق للمقاومة الشعبية طريقاً لتحرير وطن يغتصبه الأعداء بالبنادق والصواريخ؟ إذا استمر هذا الحال على نفس المنوال، فإن الفلسطينيين سيحتفلون بعد عشرات السنين بالذكرى المائة وخمسين لمسيرة بلعين.