د.فايز ابو شمالة
الصهيوني يطلع برة والمغربي أرضه حرة، هذا هو الهتاف الذي دوى في القاعة الرياضية التي استضافت منافسات دوري “ماسترز الجودو"، أثناء مشاركة الوفد الإسرائيلي، لقد عكس الهتاف رفضاً مغربياً لرؤية القدم اليهودية تدوس على تراب المغرب بحذاء رياضي، فالرياضة منذ سباق الماراثون بين الروم والفرس قبل ألاف السنين كانت سياسة.
ورغم التفهم المغربي للضغط الذي تعرضت له حكومتهم، وضرورة التزامها بالاتفاقية التي تلزمها باستقبال الوفود، إلا أن رد فعل الشعب المغربي التي أهانت الوفد الرياضي الإسرائيلي كان أبلغ من عدم الاستقبال الرسمي، وأزعم أن هذه البطولة الشعبية المغربية تعبر عن مزاج الأمة العربية والإسلامية كلها، وبغض النظر عن موقف الحكومات.
في مقابل الموقف الشعبي المغربي المبدع، وفي قمة النشوة الوطنية والإسلامية التي ترفض استقبال الصهاينة أو الابتسام في وجوههم، امتدت يد المسئول الفلسطيني الجنرال جبريل الرجوب، وراحت تصافح بمودة وحنان يد رئيس الاتحاد الإسرائيلي لكرة القدم المتطرف "عوفر عيني" أمام دهشة شعوب العالم التي عاشت أياماً من البطولة الزائفة، والتحدي الكاذب، والمواجهة الهزلية على خشبة المسرح الرياضي.
لقد أيقنت شعوب الأرض كلها أن سحب الطلب الفلسطيني الذي تضمن تعليق عضوية إسرائيل في الاتحاد الدولي لكرة القدم "الفيفا"، كان نتيجة تنسيق سياسي فلسطيني إسرائيلي على أعلى المستويات، وما جبريل الرجوب إلا منفذ لسياسة عليا، وما كان ليجرؤ الجنرال على سحب الطلب دون إذن قيادته، التي قدمت هذه الهدية السياسية لإسرائيل للتعبير عن نيتها في مصافحة تفاوضية أعلى مستوى من مصافحة رياضية، وفي تقديري فإن هذا التصرف ينسجم مع السياق العام الذي يحكم سلوك السلطة الفلسطينية مع الإسرائيليين.
ورغم الشعور بالخزي والمهانة أمام المجتمع الدولي والعربي والفلسطيني الذي تابع القضية بشغف واهتمام بالغ، فإن الجنرال جبريل الرجوب لن يعدم الحيلة والوسيلة، وسيجد الرجل ألف تبرير وتبرير يقدمه ذريعة لسحب الطلب، ولكن من المؤكد أن الجنرال لا يجرؤ على فضح المستور في القضية، ولن ينبس ببنت شفة عن السبب الكامن خلف إثارة موضوع تعليق عضوية إسرائيل في الاتحاد الدولي لكرة القدم، ومن ثم رفع سقف المطالب الفلسطينية، والصعود إلى أعلى درجات السلم، وفجأة يبدأ تبريد الأجواء، ليصير التركيز على المصافحة مع الابتسامة التي تشير إلى أن القيادة الفلسطينية التي أجلت التصويت على تقرير جولدستون في مجلس حقوق الإنسان سنة 2009، هي القيادة نفسها التي منعت تصويت الفيفا على طلب تعليق عضوية إسرائيل، وهي القيادة نفسها القادرة على مد يدها للمفاوضات.
الجهة الفلسطينية السيادية التي سحبت طلب تعليق عضوية إسرائيل في منظمة الفيفا لم تخن نفسها، بل خانت كل المنظمات والجمعيات والتجمعات العربية والإسلامية والإنسانية التي اصطفت خلف القضية الفلسطينية العادلة، فكان الخذلان على يد من يدعي أنه الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، وهذا يفرض على كل قوى الشعب الفلسطيني الناضبة بالحياة وحب الوطن أن تتضافر معاً، وأن تشكل جبهة وطنية إسلامية عربية فلسطينية تسعى إلى استرداد القرار الفلسطيني الذي ألقى القبض عليه من قبل جماعة غير مؤتمنة على القضية.
ورغم الاستسلام الفلسطيني الرخيص في زيورخ بالنمسا، ورغم احتفالات النصر الإسرائيلية التي عاشها نتانياهو، برفقة وزيرة الثقافة والرياضة ميري ريغف، ستبقى القضية الفلسطينية نبض الروح للأمة العربية والإسلامية، وسترفض كل شعوب الأرض المصافحة الخبيثة بين الرجوب وعوفر عيني، وستقف الأمم الحرة جميعها خلف المغاربة، وهم يهتفون في وجه الوفد الرياضي الإسرائيلي: فلسطين أمانة، والتطبيع خيانة.
نعم، التطبيع خيانة وفضيحة وعار، والخيانة عفن وقذارة حتى ولو كحلت عيونها بالضرورة، وتعطرت بالحاجات الملحة، وطرزت فستانها بالظروف الموضوعية.
ملاحظة: عندما يقول وزير الحرب الصهيوني السابق إيهود براك: إنه يعرف من سيخلف محمود عباس في رئاسة السلطة الفلسطينية، فمعنى ذلك أن إيهود باراك كان يعرف أن الذي سيخلف أبي عمار رئيساً للسلطة الفلسطينية هو شخص محمود عباس.