د.فايز ابو شمالة
ضمن الحالة الراهنة من اختلال موازين العدل في بلاد العرب، وضمن هذه الحالة من حرب التطاحن حتى الموت بين قوى الوحدة العربية والتغيير، وبين قوى الجمود على حدود سايكس بيكو، وضمن هذه الحالة من الصراع بين قوى الربيع العربي الأخضر وبين حلفاء الليل المطبق سواداً وفساداً على حياة الناس، كان من المنطق أن تحال أوراق العلامة يوسف القرضاوي إلى المفتى، ليتوج مسيرة حياته العلمية بحكم الإعلام، وكان من المنطق أن يجلس على كرسي الإعدام أول رئيس انتخبه الشعب المصري ديمقراطياً.
إن سلسة الأحكام الجائرة التي أصدرتها المحاكم المصرية قد جاءت لتؤكد على شيئين: الأول: إن ما يستولي على حياة الناس من كابوس مفزع ليس إلا نتيجة أخطاء اقترفتها قيادات الأحزاب التي تصدرت الثورة المصرية، حين أخطأت في تقدير ردة فعل السلطان، وقدرته في التصدي بعنف ضد كل من ينازعه الحكم، أو يفكر في مشاركته القرار السيادي.
والثاني هو عدم اعتماد الربيع العربي لعناصر القوة المادية القادرة على حسم الميدان، وهي القوة ذاتها التي وظفها الحاكم في تعزيز نفوذه، وهي القوة التي أثمرت كل هذا الشوك الذي يوجع جوانب مصر العربية، ويحز بالشوك في صدر كل البلاد العربية.
إن أحكام الإعدام الصادرة بحق المصريين والعرب قد جاءت لتؤكد أن حياة الإنسان العربي عند الحاكم أرخص من جناح بعوضة، وأن حياة المواطن المصري ـ مهما علا شأنه ـ لا تساوي قيمة الحبر الذي خط على الورق حكم إعدامه، وأن ما يجري في بلاد العرب من قمع للحريات، ومن توسعه للظلم والسجون، كل ذلك لا يخدم إلا الصهاينة الذين اعتمدوا سياسة تجهيل الأمة العربية وإفقارها كشرط لوحدة الموقف الصهيوني، واعتمدوا تفجير الصراعات بين الأمة العربية كي يضمنوا وحدة دولة إسرائيل، واعتمدوا تشويه الدين الإسلامي، ووصفه بالإرهاب، مع إثارة الفتن الطائفية، كي يضمنوا إعلاء شأن كذبتهم عن الدين اليهودي.
إن محاكمة الشهداء الفلسطينيين بالإعدام للمرة الثانية والثالثة هي شرف لهم، وتأكيد على أنهم قضوا على الحق ضد الباطل، وهم اليوم يواجهون الباطل ثانية نصرة للحق، وإنهم من مثواهم الأخير، أو من خلف زنازين العدو الإسرائيلي ليؤكدون لجماهير الأمة العربية والإسلامية، بأن قضية فلسطين لا تخص الشعب الفلسطيني وحده، إنها قضية كل الأمة، وأن ما يجري داخل بلاد العرب من اقتتال، ومن حروب، ومن انتهاك للحريات، ومن ذبح لكرامة الإنسان لا يخص ابن البلد العربي وحده، وإنما يخص كل الأمة العربية والإسلامية، التي بات مصيرها واحداً، وباتت تبحر في قارب الحرية في بحر متلاطم بالدماء، ولا سبيل للجميع ألا النجاة.
وإذا كان من أولى مهمات القضاء المصري إصدار الأحكام الرادعة المخيفة، فإنني أظن أن هذا سيفجر لدى شباب الأمة العربية أولوية التمرد على الخوف والفزع الذي سيرتد جحيماً يقتحم قصور الأنظمة المحصنة، ويستوطن أبراج الظلم العالية.
حين حكم الإغريق القدماء على سقراط بالإعدام، وأمسك كأس السم بيده، صرخت زوجته: هل سيعدمونكم ظلماً يا سقراط؟
أجابها سقراط: لا تحزني، فهذا أفضل من أن أعدم وهم على حق.