د.فايز ابو شمالة
كثر الحديث قبل خمس سنوات عن المؤامرة الإسرائيلية لتصفية الرئيس عباس، وتعالت صرخات القادة الفلسطينيين في ذلك الوقت محذرة من المس بحياة الرئيس، حتى بلغ الأمر بمندوب فلسطين في الأمم المتحدة إلى تقديم شكوى بهذا الشأن إلى الأمين العام للأمم المتحدة، وقد كتبت في ذلك الوقت مقالا ًتحت عنوان: أطمئنكم على حياة الرئيس، قلت في نهايته: أطمئنكم على حياة رئيسكم محمود عباس، فهو بخير، وسيظل بخير، ولن يمسه الضر من اليهود، فهو الذي هندس اتفاقية أوسلو، وهو الذي لما يزل يرى بالمفاوضات طريقاً لحل الصراع العربي الإسرائيلي، أطمئنكم على حياة رئيسكم، الذي نبذ المقاومة، ووصفها بالإرهاب، والذي يرى بالتنسيق الأمني مع المخابرات الإسرائيلية عملاً مقدساً، وتأكدوا أن غضب اليهود وحقدهم وتآمرهم سينصب توسعاً استيطانياً على أرض الضفة الغربية، ولن يقترب من حياة رئيسكم.
ولما كانت السنوات كشافة، فقد اتضح للقاصي والداني أن أكذوبة تصفية الرئيس كانت هرجاً سياسياً يهدف إلى تلميع الرجل، وإكسابه وطنية زائدة لم يعمل من أجلها، وعليه فقد احترقت الأوراق، وبات القوم بحاجة إلى أكذوبة جديدة، تعطي للرجل شرعية جديدة، وتكسبه زخماً جماهيرياً، فكان الحديث عن استقالة الرئيس من جميع مناصبة، وأنه قد أبلغ قيادات الشرق والغرب بقراره التخلي عن مناصبه، وأنه قد أبلغ اللجنة المركزية بقراره، وجاء ربط الاستقالة بفشل مساعي الرئيس في اقناع الإسرائيليين بالعودة إلى المفاوضات.
أطمئنكم مرة أخرى على رئيسكم، إنه باق إلى أبد الآبدين رئيساً، فإن لم يكن هو بلحمه ودمه واسمه محمود عباس، فإنه باقٍ بفكره الذي أعطى الحق لليهود بدولة في فلسطين، وبعقيدته السياسية التي تحقد على المقاومة الفلسطينية، وبسلوكه اليومي الذي يرى بالمواطن الفلسطيني فائض أحمال، وبقناعته الوجدانية بأمن المستوطنين وسلامتهم، وحقهم في البقاء فوق أرض الضفة الغربية التي بنوا عليها مدنهم اليهودية.
وأطمئنكم ثانية أيها الفلسطينيون بأن رئيسكم باقٍ رئيسكم إلى أبد الابدين، فطالما حرص الإسرائيليون على بقاء القدس موحدة تحت نفوذهم وعاصمة لدولتهم إلى أبد الآبدين، فإن السيد محمود عباس هو رئيسكم؛ الذي يصفق له الخانعون، والذي جعلوا منه قائداً فذاً، ورمزاً لا حياة لكم من دونه، فأنتم جديرون بهذا الرئيس طالما ماتت فيكم الرغبة في التغيير، ورفضتم البحث عن الجديد، وتثاقلت إلى الأرض خوفاً على رواتب بعضكم وامتيازاته، وتباعدت المسافة بين عزة نفسكم ومسئوليكم، واستسلمتم للواقع المذل دون أن تثور فيكم نخوة فيصل الحسيني، وكرامة أبي جهاد وغضب إبي علي إياد وإصرار الشيخ أحمد ياسين وشهامة فتحي الشقاقي.
إن ما يقوم فيه السيد محمود عباس من ترتيبات لعقد المجلس الوطني بشكل استثنائي يخالف كل قوانين منظمة التحرير ليؤكد أن الرجل يدافع عن موقعة الأول في القيادة بكل السبل، وإن الرجل حريص على تصفية كل من يفكر أن يقف في طريقه، وأن الرجل على استعداد لأن يتحالف مع الشيطان نفسه في سبيل بقائه رئيساً، وان الرجل لما يزل مقتنعاً أنه هو البطل الذي حقق المعجزات، وانه هو القائد الملهم الذي صنع السلام، وتتنزل عليه الرسالات، وأنه الوحيد القادر على منع الانتفاضة، ومحاربة المقاومة، ومحاصرة حركة حماس، وتجويع قطاع غزة، وبناء الفلسطيني الجديد المؤمن بالتنسيق الأمني، والحاقد على الوطنية الفلسطينية.
فهل يتخلى رجل بهذه الصفات عن الرئاسة؟ وهل يسمح له مؤيدوه بأن يتخلى عن الرئاسة؟ ولمن سيخلي مناصبه التي تهم الإسرائيليين أكثر بكثير مما تهم الفلسطينيين؟