وأخيراً، جاء الوقت الذي تستجدي فيه المخابرات الإسرائيلية معلومة عن المقاومة الفلسطينية في غزة، فلا تجدها، إن انعدام المعلومة لهو السلاح السري الذي هز معنوية الجيش الإسرائيلي؛ فأمسى يفكر ألف مرة قبل القيام بأي عدوان على غزة، وهذا هو السر الذي تتحصن فيه المقاومة؛ وهي تعد رجالها ليوم اللقاء المحتوم.
لقد انتبهت صباح يوم الأحد للفرحة الغامرة التي أظهرها الإعلام الإسرائيلي، وهو يذيع خبر انهيار أحد أنفاق المقاومة في خان يونس، وأن سبعة مقاومين قد تم نقلهم إلى المستشفى، وتحدثت الإذاعة العبرية "ريشت بيت" عن تواصل انهيار أنفاق المقاومة في الفترة الأخيرة، وأوحت للمستمعين الصهاينة بأن انهيار الأنفاق في غزة يتم بفعل فاعل، وراحت تستعرض ضحايا الأنفاق، وتصريحات منسق أعمال الحكومة في الضفة والقطاع الجنرال يوآف مردخاي الذي قال: "الله أعلم" حين سئل عن إمكانية وجود يد لإسرائيل في انهيار الأنفاق، وأعادت الإذاعة العبرية على المستمعين تصريحات رئيس الأركان الجنرال غادي إيزنكوت، الذي قال: إن اسرائيل تبذل جهوداً كبيرة للقضاء على الأنفاق بطرق سرية غير ظاهرة للعين.
فماذا حدث في خان يونس؟
بعد دقائق من سماعي خبر انهيار النفق، تمام الساعة الرابعة والنصف عصر يوم السبت، كنت في مستشفى ناصر الطبي، فوجدت على باب غرفة العناية المركزة في المستشفى قائداً كبيراً لكتائب القسام، جاء برفقة جنوده المصابين، وهو يتابع حالتهم الصحية عن قرب، صافحته بصمت، فالموقف جلل، والترقب يسيطر على المكان، والأنظار شاخصة إلى غرفة العناية المركزة، لقد دخلتها، فوجدتها تزدحم بالمصابين والأطباء والممرضين.
بعد خمس عشرة ساعة من نقل المصابين، في السابعة من صباح اليوم التالي، تحدثت الإذاعة العبرية الرسمية "ريشت بيت" عن انهيار نفق المقاومة، فماذا يعني ذلك التأخير في النشر؟ وهل يمكن الاستنتاج أن جهاز المخابرات الإسرائيلية قد فقد البوصلة في غزة؟
لما سبق، واحتراماً لقرار الرئيس محمود عباس الذي يقدس التنسيق الأمني، وقد اعترف أنه بتبادل المعلومات الأمنية مع المخابرات الإسرائيلية ثانية بثانية، وسيراً على نهج رئيس جهاز المخابرات الفلسطينية اللواء ماجد فرج، قررت أن أقوم بواجبي الوطني تجاه جيراننا اليهود (حسب وصف الرئيس)، وسأقدم المعلومات السرية التالية لجهاز المخابرات الإسرائيلية:
1- لم يحدث أي انهيار جديد في الأنفاق، والإصابات التي تم نقلها إلى تجمع ناصر الطبي لم تكن جراء انهيار نفق، وإنما كانت جراء حادث عمل عادي.
2- لقد اعتمد الإعلام الإسرائيلي في نشر الخبر على مواقع الانترنت، وهذا دليل على أن المخابرات الإسرائيلية تجهل تفاصيل ما يجرى على الأرض في غزة.
3- تواجد قائد كتائب القسام أمام غرفة العناية المركزة يعكس الحضور الميداني لقيادة كتائب القسام، وانغماسهم بالمقاومة، وتقدمهم الجند في المعركة، وهذا ميزة لطالما تفاخر فيها الضباط الصهاينة، الذي أعابوا على جيوش العرب تقدم الجند وتأخر القادة.
4- سرعة نقل المصابين إلى المستشفى، والتي تعكس اليقظة التامة لدى كتائب القسام، والجاهزية المتقدمة لمواجهة كل تطور ميداني مفاجئ.
5- رغم الامكانيات المحدودة، ورغم الحصار، فقد أظهر الأطباء والممرضون كفاءة عالية في علاج المصابين، انعكس ذلك على سلامتهم جميعهم.
6- تواصل العمل المقاوم في الأنفاق على مدار الساعة، وتواصل الإعداد والتدريب للمقاومة دون كلل أو ملل، وعلى كافة المستويات.
7- الجاهزية للتضحية التي أبداها أهالي المصابين، وقد جاءوا إلى المستشفى وهم يظنون أن أبناءهم قد انضموا إلى قافلة الشهداء، ومع ذلك، لم يظهر عليهم الجزع أو الفزع، ومثلوا نموذجاً للإنسان الذي يستشعر الواجب، ويعرف مسبقاً مشقة طريق المقاومة.
8- المسئولية العالية التي أبداها المواطنون في خان يونس، وإخلائهم المكان للطاقم الطبي ليعمل بمهارة فائقة، وكلهم يشعر أن المصابين هم أبناؤه، وأهله.
9- السرية التامة التي تميز عمل المقاومين، فقد سألت أحد المصابين عدة أسئلة، فكان رده الوحيد، لا أعرف، لا أعرف، حتى أوشك أن يقول: لا أعرف؛ حين سألته عن اسمه؛ وذلك لشده الحرص على كتم المعلومة.
10- سرعة انتشار الخبر تعكس اهتمام الناس بالمقاومة، وحرصهم البالغ على سلامة المقاومين، وقد تجلى ذلك في التعاضد الكبير الذي أبداه الشباب الفلسطيني تجاه المصابين، وكثافة الزائرين الذين توافدوا على المستشفى مهنئين.
حين زرت المصابين في اليوم التالي، ووجدتهم بخير وعافية، تذكرت حديثاً لقائد كبير جداً في كتائب القسام، قال لي قبل عدة أسابيع:
العدو الإسرائيلي يراقب بطائرات التجسس ما نقوم فيه من أعمال مقاومة، وهو يعرف أكثر من فتحة نفق من أنفاق المقاومة، لذلك يستعين بالوسائل التكنولوجية الحديثة في تصوير وتوثيق كل ما يدخله المقاومون من فتحة النفق تلك، ويجري حساباته الدقيقة للكميات، وللأشياء التي ندخلها جوف الأرض، ولعدونا تقديراته الأمنية، ولكنه لا يعرف مصير الأشياء التي نوردها فتحة النفق، ولا يعرف أين تتجه، ولا يعرف ماذا يحدث تحت الأرض؟!.