د. فايز أبو شمالة
الناس في كل الدنيا تفرح للمطر، فيقولون: نزل الغيث، وجاءنا الخير، وحلت البركة، وأسماء كثيرة يطلقونها على هذا الماء الصافي المتدفق من صلب الغيم إلى رحم الأرض، ولكن الناس في غزة تعمل ألف حساب لهذه النعمة، التي تصير نقمة على من تصدعت بيوتهم بسبب العدوان الإسرائيلي، وتصير نقمة على السائق وعلى البائع وعلى المارين في الشارع، وعلى طلاب المدارس، وهم يغرقون في الأوحال، وتصير نقمة على سيدة البيت التي تعمل ألف حساب لاسطوانة الغاز التي شارفت على الانتهاء، فكيف، ومتى ستمتلئ ثانية؟
نقص غاز الطهي في غزة مشكلة تتفاقم في فصل الشتاء، وتشغل الناس في كيفية توفير اسطوانة الغاز بدلاً من التفكير في آلية توفير ثمنها، لذلك يلجأ الناس إلى الكهرباء للطهي وتسخين الماء وللخبز بهدف التعويض عن نقص الغاز، وهذا بدوره يرتد سلباً على كمية الكهرباء التي لا تكفي أصلاً حاجة الناس.
توفير غاز الطهي في غزة من مسئوليات حكومة التوافق الوطني، ولا يصير اتهام الاحتلال الإسرائيلي وحده، وكفى الله رئيس هيئة البترول فؤاد الشوبكي شر القتال.
إن كمية الغاز التي تصل إلى قطاع غزة كل يوم ومقدارها 260 طناً، يصير نقلها إلى غزة عبر 12 شاحنة، يدفع ثمنها تجار غزة إلى الإسرائيليين بشكل مسبق من خلال السلطة في رام الله، ليصير توزيع هذه الكمية على البيوت وعلى المطاعم وعلى مزارع الدجاج وعلى المستشفيات وعلى الأماكن العامة والخاصة، كل وفق حاجته، وهذا ما تقوم فيه هيئة البترول في قطاع غزة، والتي لا حول لها ولا قوة في زيادة الكمية، ولا مكان لها للاستفادة من الضريبة التي تجبيها السلطة الفلسطينية في رام الله.
أما الإسرائيليون فإنهم يحسبون بدقة كمية غاز الطهي التي يحتاجها سكان غزة، ويقولون: إن ما يدخل غزة يكفي حاجة السكان! الإسرائيليون في هذه الحالة لا يأخذون بعين الاعتبار كمية غاز الطهي التي تستعملها السيارات؛ والتي قد تصل إلى 140 طناً تقريباً.
فأين تكمن مشكلة نقص غاز الطهي؟ هل المشكلة نتاج قلة كمية الغاز الداخلة من المعابر الإسرائيلية، أم أن المشكلة نتاج الاستهلاك الزائد من قبل السيارات؟
لو كان النقص نتيجة الاستهلاك الزائد للغاز من قبل السيارات فعلى السلطة الفلسطينية تخفيض سعر البنزين، بحيث يذوب الفارق بين سعر غاز الطهي وبين سعر البنزين،.لتعود السيارات إلى استخدام البنزين ثانية.
أما لو كان نقص غاز الطهي نتيجة قلة الكمية، فعلى السلطة الفلسطينية صاحبة الولاية، و صاحبة الحق القانوني في الضغط على الإسرائيلين لزيادة الكمية من 12 شاحنة في اليوم إلى 15 شاحنة على أقل تقدير، وهذا مطلب شعبي تقتضيه ظروف غزة الخاصة في فصل الشتاء. وما دون ذلك فإن صمت السلطة يؤكد مسئوليتها عن نقص كمية الغاز؛ والذي يهدف اجبار السائقين على استخدام البنزين بدلاً من الغاز، لأن البنزين يصب ربحاً صافياً في خزينة السلطة، والذي يثير هذه الحالة من الشك هو مقترح السلطة الفلسطينية على أهل غزة بضرورة منع السيارات من استخدام غاز الطهي.
إن حرمان السيارات من استخدام غاز الطهي لا يخدم سكان قطاع غزة، ولا يأخذ بعين الاعتبار الوضع المعيشي للسائقين الذين يتابعون ما يجري على الأرض، وهم يهمسون للركاب: في يوم 18 نوفمبر من هذا العام، دخل إلى قطاع غزة مليون وأربعمائة ألف لتر وقود، هذه الكمية من الوقود سمحت للسلطة الفلسطينية بأن تجبي من سكان قطاع غزة مليون وأربعمائة ألف دولار في يوم واحد! فلماذا لا تشفق السلطة على أهل غزة وتخفض سعر الوقود حتى يصير 3 شيكل لكل لتر، ثم تأتي بعد ذلك لتحاسبنا على تشغيل محرك السيارات بغاز الطهي؟.