حين صرت ملكاً
آخر تحديث GMT 18:41:05
 فلسطين اليوم -

حين صرت ملكاً

 فلسطين اليوم -

حين صرت ملكاً

د.فايز ابو شمالة

كنت مقيد اليدين والرجلين، ومحاطاً بسجانين إسرائيليين، وأنا أقطع بصعوبة عشرة أمتار، وهي المسافة الفاصلة بين بوابة سجن الرملة العسكري وسيارة الشرطة التي ستنقلني إلى مستشفى "أساف هروفيه" المدني؛ لإجراء عملية جراحية.
كنت مهموماً أتوكأ على وجعي؛ حين ظهرت فجأة الممرضة اليهودية "إيله" برفقة زوجة مدير مستشفى السجن، لقد بدا الاندهاش على وجه "إيله" من قسوة المشهد، فصرخت على السجانين: أنتما أغبياء! ما هذا التصرف الأحمق؟ لماذا لا تساعدان السجين؟
وبسرعة البرق امتدت يد الممرضة اليهودية "إيله" نحو حقيبة السجن التي كنت أحملها، والتي تحتوي على ملابسي الخاصة وبعض الكتب، وقليلاً من الشاي والسكر، وقالت بالعبرية: تفي إت هتيك أبو شمالة، هات الحقيبة يا أبا شمالة.
لقد أسندت الممرضتان اليهوديتان جسدي الثقيل، وساعدتاني حتى وصلت إلى السيارة.
تصرف الممرضتان الإنساني أشعرني بإنسانيتي، وجعلني أدرك وحشية السجانين، وهما يقولان لي بعد ذلك: وصلنا إلى مستشفى "أساف هاروفيه"، هيا أنزل من السيارة.
نزلت من السيارة دون أي مساعدة منهما، ومشيت باتجاه المدخل دون أي مساعدة منهما، ثم صعدت الدرج بصعوبة بالغة، ومشيت بتثاقل حتى صالة الاستقبال في المستشفى، وهم من حولي مثل الأمراء، حتى حين طلب مني أحدهم أن أنتظر حتى يتمم الآخر إجراءات دخولي المستشفى، فانتظرت واقفاً، وأنا ألتقط أنفاسي من شدة التعب والمرض والإرهاق.
بعد دقائق، رجع السجان وهو يقول: الدخول ليس من هذا المكان، هيا، عليك أن تمشي حتى البوابة الأخرى، وأشار بيده إلى مكان بعيد.
نظرت إلى السجانين الاثنين بترقق، وقلت في ضعف شديد: لا استيطع، لا قدرة لي على المشي، أين هي سيارة السجن؟!!
رد أحدهم بسرعة: لقد انتهت مهمة السيارة، لقد ذهبت، وعليك أن تمشي إلى هناك، وإلا سأضطر أن أعيدك إلى مستشفى السجن دون أن تجرى لك عملية جراحية.
قلت في نفسي: هذا السجان يستخف بي، ويهددني عن جهل، إذ كيف يعيدني إلى مستشفى السجن، وهو الذي يقول: لقد انتهت مهمة السيارة؟
ومع ازدياد الوجع، ازداد غضبي من السجانين، وقررت أن أجلس على الأرض في صالة الاستقبال في مستشفى "أساف هروفيه".
صرخ أحد السجناء، وحاول أن يدفعني بقدمه كي أنهض، ولكنني صرخت عليه، ورحت ألعن الجدود الأولى للحركة الصهيونية، بل أنني بالغت في التحدي، فتمددت بجسدي الطويل والثقيل على طول الممر في صالة الاستقبال.
بعد أن عجز السجانان في إخافتي، وعجزا عن فعل شيء، انتقلا من التهديد إلى التوسل، وصارا يرجوان أن أجلس فقط، وأن أفتح الطريق، ولكنني واصلت التحدي، ورفضت أن أتحرك من مكاني، وصرخت بأعلى صوتي: استدع السيارة فوراً، فأنا لا أقوى على المشي.
طال زمن تمددي في مدخل المستشفى، وطال زمن توسل السجان، بل أبدا أحدهم استعداداً لحمل الحقيبة، وقال الآخر: قم، وتوكأ على كتفي حتى نصل إلى البوابة الثانية، ولكنني رفضت، وواصلت الصراخ، وإطلاق الشتائم التي كسرت هدوء المستشفى.
في تلك اللحظات من الغربة شعرت أنني القوى، وأنهم الضعفاء، لقد شعرت أنني صاحب القرار، وأنهم أعجز عن فعل شيء.
ورغم أن عادات اليهود تقضي بالنأي بأنفسهم عما لا يخصهم، إلا أن أحد المارة اليهود قال دون أن يبطئ من خطوته: هاتوا له عجلة.
لقد التقط السجان الفكرة فوراً، وأحضر أحدهم العجلة، وأمسك بها، في الوقت الذي مد الآخر لي يده معيناً على النهوض، والجلوس على العجلة.
رفع أحد السجانين حقيبة السجن، ووضعها على ركبتي، بينما راح الآخر يدفع بالعجلة إلى الأمام، وهو يقول: الآن أنت مثل الملك!!
قلت له وأنا أكتم ابتسامة: نعم، الآن أنا الملك.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حين صرت ملكاً حين صرت ملكاً



GMT 11:56 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

صوت الذهب... وعقود الأدب

GMT 11:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أولويات ترمب الخارجية تتقدّمها القضية الفلسطينية!

GMT 11:53 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 11:52 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

عن تكريم الأستاذ الغُنيم خواطر أخرى

GMT 11:50 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الجائزة الكبرى المأمولة

GMT 11:49 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

تنظيم «الإخوان» ومعادلة «الحرية أو الطوفان»

GMT 11:47 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

لأميركا وجهان... وهذا وجهها المضيء

GMT 11:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أنا «ماشي» أنا!.. كيف تسلل إلى المهرجان العريق؟

إطلالات هند صبري تلهم المرأة العصرية بأناقتها ورقيها

القاهرة ـ فلسطين اليوم
تعَد هند صبري واحدة من أبرز نجمات العالم العربي، التي طالما خطفت الأنظار ليس فقط بموهبتها السينمائية الاستثنائية؛ بل أيضاً بأسلوبها الفريد والمميز في عالم الموضة والأزياء. وفي يوم ميلادها، لا يمكننا إلا أن نحتفل بأناقتها وإطلالاتها التي طالما كانت مصدر إلهام للكثير من النساء؛ فهي تحرص على الظهور بإطلالات شرقية تعكس طابعها وتراثها، وفي نفس الوقت، تواكب صيحات الموضة بما يتناسب مع ذوقها الخاص ويعكس شخصيتها. إطلالة هند صبري في مهرجان الجونة 2024 نبدأ إطلالات هند صبري مع هذا الفستان الأنيق الذي اختارته لحضور مهرجان الجونة 2024، والذي تميّز بأناقة وأنوثة بفضل قَصته المستوحاة من حورية البحر، مع زخارف تزيّنه وتذكّرنا بقشور السمك. وهو من توقيع المصممة سهى مراد، وقد زاد سحراً مع الوشاح الطويل باللون الرمادي اللامع وبقماش الساتان، ال...المزيد

GMT 12:11 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
 فلسطين اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 08:51 2019 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

يتحدث هذا اليوم عن بداية جديدة في حياتك المهنية

GMT 21:38 2020 الأحد ,03 أيار / مايو

حاذر التدخل في شؤون الآخرين

GMT 06:51 2019 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

أبرز الأحداث اليوميّة لمواليد برج"الحمل" في كانون الأول 2019

GMT 07:28 2020 الخميس ,18 حزيران / يونيو

«الهلال الشيعي» و«القوس العثماني»

GMT 01:18 2017 الأحد ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

وفاة "أيقونة" رفع الأثقال بعد صراع مع المرض

GMT 22:54 2016 الجمعة ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

أصحاب دور العرض يتجهون إلى رفع "عمود فقرى" من السينما

GMT 10:32 2020 الأربعاء ,20 أيار / مايو

فساتين خطوبة للممتلئات بوحي من النجمات
 
palestinetoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

palestinetoday palestinetoday palestinetoday palestinetoday