فايز أبو شمالة
حرب اليمن تفتح جرح فلسطين، ولاسيما أن للأرض الفلسطينية خصوصيتها بين البلاد العربية، فبعض فلسطين قد تم اغتصابه بعد هزيمة الجيوش العربية سنة 1948 بقوة الحديد اليهودي والنار، وبعض فلسطين احتله الإسرائيليون بقوة الغدر وضياع القرار.
وللأرض الفلسطينية دلالها على الشعوب العربية والإسلامية، فهي الأرض التي بارك الله حولها، فصار من حقها أن تطالب العرب والمسلمين باسترداد ترابها، وتحرير إرادتها من عدو العرب والمسلمين الذي يغتصبها، ولاسيما بعد أن ظهر تحالف عشر دول عربية وإسلامية إلى العلن، وأظهر القدرة على التنسيق وقصف مواقع الحوثيين في اليمن نصرة للشرعية.
فإذا كانت الشرعية للسلطة في بلد عربي قد استوجبت كل هذا الحشد السياسي، واستحثت الجيوش العربية للتحرك بهذا القدر من الحزم العسكري، فإن الحرية للأرض العربية المحتلة لا تقل قيمة وأهمية، بل أن حرية الأرض الفلسطينية المحتلة، هي أكثر قيمة، وأعز قدراً من شرعية أي سلطة، ومن يرى غير ذلك فهو متهرب من الواجب الوطني والديني، ومستخف بعقل الإنسان العربي الراشد؛ الذي يميز الفرق الكبير بين الشرعية وأهميتها في حياة الإنسان، وبين الحرية وضرورتها لبقاء الأرض والإنسان.
حرب اليمن التي يشارك فيها عشرة جيوش عربية وإسلامية تفتح الجرح الذي لم يندمل من حرب فلسطين، حين تحركت سبع جيوش عربية سنة 1948، لطرد اليهود من فلسطين، وتحرير أرضها، فكانت الهزيمة، وضاعت فلسطين، وتشتت شمل أهلها، الذين ما زالوا ينتظرون من الجيوش العربية أن تعاود الكرة، وأن تعالج نتائج الهزيمة التي صعقتهم سنة 48، أهل فلسطين ينتظرون من الجيوش العربية أن تساعدهم في استرداد أرضهم المغتصبة، وأن تحررهم من إذلال الصهاينة، لا أن تساعدهم في الاحتفاظ بشرعية سلطتهم، فالجميع يشهد أن الأرض أغلى قدراً من كل الأسماء والوظائف والتنظيمات والسلطات.
قد يقول البعض في هذا المقام: إن الشرعية هي طريقنا إلى الحرية، وإن تعدد الشرعيات قد يباعد ما بين حرية الإنسان وتحرير التراب، وهذا كلام دقيق إذا كانت الشرعية قد أثبت أنها لم تفرط بذرة تراب من أرض فلسطين التاريخية، ولكن إذا أخبرتنا الاتفاقيات الموقعة مع عدونا بأن الشرعية الفلسطينية قد اعترفت بشرعية دولة العدو على معظم الأرض الفلسطينية، فهذا يعني أن الشرعية الفلسطينية قد فقدت شرعيتها السياسية، وحين تخبرنا الاتفاقيات بأن الشرعية الفلسطينية لا ترى بالمقاومة الفلسطينية المسلحة للعدو الإسرائيلي إلا عنفاً وإرهاباً، فهذا يعني أنها قد فقدت شرعيتها الوطنية والأخلاقية والإنسانية.
إن الشرعية الوحيدة على الأرض المحتلة من العدو الإسرائيلي هي شرعية المقاومة، وما دون المقاومة هو تدليس على الشعب، وتأسيس لخيانة القيم الوطنية والمبادئ والأخلاق الإنسانية والأعراف الدولية، وإن الإنسان العربي ليدرك أن حرية الأرض أكثر قيمة بالنسبة إليه من أي شرعية، وأن كل شرعية لم تسترد أرضاً، ولم تحرر وطناً، ولم تحفظ كرامة الإنسان هي شرعية مشكوك فيها، وغير مؤتمنة على حياة الناس وأرضهم وأموالهم وأعراضهم ومستقبلهم.