د. عصام شاور
هناك من يتحين أي فرصة حقيقية أو غير حقيقية للنيل من قطاع غزة، والتحريض ضد الوحدة الوطنية بأساليب ملتوية، وقضية الهجرة من غزة إلى الخارج هي إحدى القصص التي نسجتها أوهامهم لتحقيق مآرب حزبية ضيقة، ويا للأسف وصل الأمر ببعضهم إلى حد اتهام جهات فلسطينية وطنية مجاهدة بتسهيل هجرة الشباب من قطاع غزة عبر الأنفاق، وقذفهم إلى المجهول، مقابل حفنة من الدولارات، حسب توصيف ناشط في مواقع التواصل الاجتماعي أكثر من كونه ناطقًا باسم فصيل وطني.
من متابعتي للحدث شعرت بوجود خطة متكاملة لعزف سيمفونيات الهجرة، بدأت بنشر مواقع إلكترونية فلسطينية نتائج استطلاع رأي عن رغبة الشباب في الهجرة من غزة، ثم كان الحديث عن هجرة أشبه بالهجرة الجماعية من قطاع غزة، وتلاه الاستغلال الواضح لحادث غرق زورق انطلق من الإسكندرية ومات فيه مهاجرون من جنسيات مختلفة منها الجنسية الفلسطينية، وغرق زورق آخر انطلق من سوريا نحو أوروبا، ولكن ليس هناك تقارير تثبت بدقة عدد القتلى، ونقطة انطلاقهم: أمن غزة عبر الأنفاق هي، أم من مصر حيث أصبحت حياة الفلسطيني لا تطاق، وقد يجد في الهجرة طريقًا لخلاصه كما يفعل المصريون تحت حكم الانقلاب المصري.
على أية حال إن أعداد المهاجرين من غزة إلى الخارج ليست بالحجم الذي يروج له بعض، ومع ذلك إن الأسباب التي تدفع الفلسطيني في غزة إلى الهجرة ليست هي الحرب فقط، ولكن السبب الأهم هو الحصار العربي الإسرائيلي لغزة، فالمحاصرون يريدون لغزة أن تكون غير صالحة للعيش من أجل تهجير أهلها، ولكن أهل غزة صمدوا في وجه المؤامرة والحرب والحصار، ولو حدث لبلد مثل ما حدث لغزة لما وجدت فيه من أحد، بل على العكس هناك مئات وربما آلاف الأشخاص الذين عادوا الى غزة ليعيشوا في وطنهم، دون الحاجة إلى "لم شمل" و"فحص أمني" وموافقة إسرائيلية، هذا أمر مشرف ولم يحدث إلا بعد تحرير غزة، ولكنهم لا يتذكرون.
خلال السنوات العشر الماضية هاجر عشرات الآلاف من سكان الضفة الغربية إلى الخارج، أغلبهم من الشباب؛ من أجل البحث عن لقمة العيش، وهناك عائلات بأكملها هاجرت للسبب نفسه، حسب تقارير ودراسات فلسطينية، وهذا يعني أن الضفة ليست أفضل حالًا من غزة إلا في أمر واحد، وهو "سهولة" الخروج من الضفة الغربية، أي أن الهجرة أمر طبيعي، ولا داعي لاستغلاله في المناكفات السياسية، ومن أجل إثبات ما لم ينكره العدو من انتصار للمقاومة في غزة.