د. عصام شاور
من غير المعقول في حالة انهزام الجيوش النظامية أن تركن الشعوب إلى الاستسلام وتلقي السلاح وتقبل الهزيمة وتنتظر المعجزات.. لهذا كله, فإننا نعتقد أن الدخول في حرب مع (إسرائيل) على هذا النمط أمر لم يعد مستحيلا, بل إنه ممكن في أي وقت وأي مكان, على أن يعطى الإنسان العربي حقه من التقدير والاحترام ليلعب دوره كاملا، ولا بد أن يشعر بالانتماء إلى الوطن والأمة ليؤدي واجبه نحو الوطن والأمة.. أسوأ حالات الضياع والتفكك والانهزام هي التي تجعل الإنسان عاجزا عن العطاء لأنه يعتبر أن أي تضحية هي نوع من العبث وجهد في الفراغ. (من كتاب استثمار الفوز ص 46, محمود عباس 1981).
ما سبق هي قناعات عبر عنها الرئيس محمود عباس قبل ما يزيد على ثلاثين عاما، قناعات نحن نؤمن بها حتى لو غيرت قيادة منظمة التحرير وبدلت، فهي دعوة للثورة الشعبية المسلحة, ودعوة لاحترام المقاومة وإبداعاتها, كما أنها تحذير من الضياع والتفكك والانهزام والتي من مظاهرها اعتبار أي تضحية نوعا من العبث وجهدا في فراغ.
الانتفاضتان الفلسطينيتان الأولى والثانية لم تندلعا بقرار من فصائل المقاومة أو بقرار من منظمة التحرير، كما أنهما لم تتوقفا بقوة القمع الإسرائيلية وجيش الاحتلال، وهذا يعني أن الشعب حين ينتفض ينتفض ذاتيا غير آبه بالنتائج السياسية ولا بالثمن الباهظ الذي سيدفعه، لأن هدفه يتلخص في رفع الظلم الواقع عليه والانتقام من المحتل الإسرائيلي، وهذا بعكس عمل المنظمات المقاومة التي تقرر متى تبدأ الرد وكيف تدير المعركة, مع السيطرة التامة على مجرياتها, وكذلك متى تنهيها إن كانت لها اليد الطولى كما في معركة العصف المأكول.
السلطة الفلسطينية لا يمكنها أن تمنع اندلاع انتفاضة ثالثة في الضفة الغربية إلا بالقضاء على مبرراتها وليس التصدي لإرهاصاتها. الجرائم الإسرائيلية في القدس وتدنيس المقدسات ومحاولة العدو تقسيم الأقصى مكانيا وزمانيا (حسب تعبيرهم) هي أقوى المبررات لاندلاع انتفاضة ثالثة، وعلى السلطة استخدام قوتها السياسية والدبلوماسية في وقف الجرائم الإسرائيلية حماية للمقدسات وحماية لشعبيتها، أما ترك الاحتلال يعيث فسادا مع محاولة ضبط الشارع الفلسطيني من الرد فهي طريقة غير مجدية قد تؤخر اندلاع انتفاضة ثالثة, إنما لن تفلح في منعها.