أجرت حماس منذ بداية مارس الحالي سلسلة اتصالات سياسية متلاحقة في أكثر من اتجاه.
قد التقى خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحماس يوم 11 مارس مع رئيس مجلس الشورى الإيراني علي لاريجاني، في قطر، وتبادلا وجهات النظر حول القضية الفلسطينية، والحصار على غزة.
وقال باسم نعيم، نائب رئيس الدائرة السياسية لحماس "للمونيتور" أن "إيران جددت تأكيد دعمها للمقاومة خلال اللقاء، الذي يعيد الدفء للعلاقة بين حماس وايران التي أصابها الفتور بسبب الأحداث الإقليمية".
تردد إيران
لكن صحفياً مرموقاً مقرب من دوائر صنع القرار في الدوحة أكد "للمونيتور" طالباً إخفاء هويته، أن "لقاء مشعل-لاريجاني لا يعدو عن كونه مجاملة، ليس له نتائج على مستوى علاقاتهما، بسبب عدم تغير الشروط الإيرانية لتجديد العلاقة، والطلب من حماس تغيير موقفها من الأزمة السورية".
وقدم مشعل يوم 24 مارس، العزاء للرئيس الإيراني روحاني بوفاة والدته، والمرشد "خامنئي" بوفاة شقيقته.
الحراك الحاصل بين حماس وإيران، لم ينتقل بعد لتطبيع كامل للعلاقات، يضمن عودة الدعم المالي والعسكري بصورة حقيقية لحماس، لأن إيران ما زالت تضع شروطاً تعجيزية على حماس لتقديم ذلك الدعم.
ورغم تقديم حماس لبوادر إيجابية عديدة لإيران في الأشهر الأخيرة، كتوجيه الشكر عدة مرات في احتفالات جماهيرية يوم 14 ديسمبر 2014 ورسائل التعزية باغتيال قادتها العسكريين في سوريا يوم 28 يناير 2015. لكن رسائل الغزل هذه لم تنجح في إمداد حماس بما تريده من المساعدات المالية والتسليحية من إيران.
ورغم أن علاقة حماس مع مصر لا تمر بأحسن أحوالها، لكن الحكومة المصرية قدمت يوم 11 مارس طعناً في حكم أصدرته محكمة الأمور المستعجلة بالقاهرة يوم 28 فبراير باعتبار حماس "جماعة إرهابية".
عزت الرشق، عضو المكتب السياسي لحماس، المقيم في قطر، أكد "للمونيتور" أن "الطعن المصري على الحكم القضائي ضد حماس، يؤكد بأن حكم المحكمة يسيء لمصر، ودورها الإقليمي، وهذه الخطوة ضرورية لاستدراك الخطيئة التاريخية التي اتهمت المقاومة الفلسطينية بالإرهاب".
ويبدو أن التراجع المصري عن اعتبار حماس حركة إرهابية قرار سياسي بامتياز، رغبة من مصر بالحفاظ على الورقة الفلسطينية بين يديها، لأنها تمنحها الدور الاستراتيجي، وربما رأت أنه ليس من مصلحتها استعداء حماس، خوفاً من فقدان ورقة ثمينة تكسبها أهمية كبيرة في صراع التوازنات الإقليمية.
ولذلك أعرب سامي أبو زهري المتحدث باسم حماس، "للمونيتور" أن يكون طعن الحكومة المصرية على الحكم القضائي "إقرار سياسي بأن هناك خطأ كبيراً ارتكب، وينبغي تصحيحه، لتصويب العلاقة الثنائية، فحماس تؤكد عدم التدخل في أي شأن داخلي عربي، خاصة مصر، وتتطلع لإقامة علاقات مستقرة معها".
"المونيتور" علم من أوساط نافذة في حماس أن تصريحات هنية يوم 24 فبراير، وأكد فيها الحرص على أمن مصر واستقرارها، جاءت بطلب مصري، لتخفيف التوتر.
وقد أدانت حماس العنف في مصر، على لسان موسى أبو مرزوق عضو مكتبها السياسي، يوم 11 مارس، ووصف هجوم سيناء يوم 9 مارس، بأنه إرهابي.
غزل السعودية
النقلة النوعية في موقف حماس تجاه مصر، تمثلت بتصريح محمود الزهار، عضو مكتبها السياسي، يوم 15 مارس، حين أعلن أن حماس تتطّلع لبناء علاقة جيدة ومستقرة مع النظام المصري، أياً كانت توجهاته.
هذه التغيرات في مواقف حماس تجاه مصر تعني ضمنياً أن الحركة طوت صفحة عودة الإخوان المسلمين للحكم، دون أن تعلن ذلك عملياً، لأن بسط النظام المصري لسيطرته على البلاد، رغم التوترات الأمنية، تطلب من حماس موقفاً عقلانياً سياسياً أكثر منه عاطفياً أيديولوجياً، تمثل بإبداء الرغبة للتعاون مع السيسي.
الجديد في تخفيف التوتر بين حماس ومصر، ما قيل عن ضغوط سعودية على القاهرة، لتغيير نظرتها إلى حماس، عقب زيارة الرئيس السيسي للرياض يوم 1 مارس.
عضو سابق في مجلس الشورى السعودي، أبلغ "المونيتور" رافضاً كشف هويته، أن "السيسي استمع لمطالب سعودية لتخفيف الخناق المصري على حماس، لأن السعودية في عهدها الجديد لا تنظر للحركة على أنها إرهابية، وتعتبرها حركة مقاومة فلسطينية".
وهو ما دفع بعاطف عدوان، عضو المجلس التشريعي عن حماس للقول "للمونيتور" أن "هناك دلائل مشجعة على تغيير النظرة السعودية لحماس".
فيما سمحت مصر على غير العادة لأبي مرزوق بمغادرتها يوم 20 مارس، والتوجه للدوحة، لوضع الترتيبات النهائية لزيارة وفد من حماس للسعودية الأيام المقبلة، دون تحديد موعد دقيق.
لكن حماس نفت يوم 24 مارس وجود ترتيبات لزيارة قريبة للسعودية.
ذات المسئول السعودي في حواره مع "المونيتور" "لم ينف أو يؤكد الأنباء السابقة بخصوص التنسيق بين حماس والرياض لأن السياسة السعودية تحب العمل بعيداً عن الإعلام، لكن حماس تقترب من الرياض بصورة مرضية لهما،وهما ليسا مستعجلين لإصدار تصريحات صحفية قد تعكر سير ترتيبات العلاقات على نار هادئة".
تشعر السعودية بمخاطر اقتراب إيران على حدودها بعد سيطرة الحوثيين على مدن يمنية في يناير 2015. وقد تذهب السعودية لتشكيل "محور سني" يواجه "المد الشيعي"، وهو ما قد يعني إعادة تشكيل الشرق الأوسط ضد إيران.
وإذا نجحت السعودية بجعل حماس ركناً أساسياً في المحور، لما لها من تقدير في نظر الرأي العام العربي، فإنها تسحب ورقة رابحة من إيران، رغم تأكيد الحركة أنها ليست في جيب أحد، ولا تقيم علاقات مع طرف على حساب آخر، كما جاء على لسان الزهار يوم 24 مارس.
وهو ما دفع بهنية للتأكيد يوم 22 مارس على سعي حماس للانفتاح بعلاقات متوازنة مع جميع الدول.
أخيراً..فإن العقبة التي قد تقف في وجه حماس أمام عودة المياه لمجاريها في العلاقة مع إيران حالة التمدد الإقليمي لطهران، ووجودها في حالة اشتباك مع دول المنطقة في نقاط عديدة، في سوريا والعراق وأخيراً اليمن، التي شهدت فجر 26 مارس حملة عسكرية جوية لقوات سعودية وخليجية وعربية بدعم دولي ضد مواقع حوثية.
ولذلك فإن الاستقطاب الإقليمي في المنطقة، يضع حماس في حيرة من أمرها: فهل تذهب لطهران وهي تعانق تركيا وقطر، وتتقارب مع السعودية، رغم أن هذا بلغة التحالفات لن يكون مقبولاً، وعليها إدراك حقيقة أن رحيلها إلى معسكر سيفضي لخسارة دعم المعسكر الآخر!