د. يوسف رزقة
( ليس لنا مشكلة مع الإخوان المسلمين، مشكلتنا مع فئة قليلة، هذه الفئة تقول إن في رقبتها بيعة للمرشد)، بهذه العبارة لخص سعود الفيصل مشكلة بلاده مع الإخوان المسلمين، بحسب ما نقلته الصحفية سمر المقرن ، في صحيفة الجزيرة السعودية.
إننا إذا تأملنا بعمق هذه العبارة نجد فيها نعطافا سعوديا تجاه مراجعة المملكة لملف الإخوان المسلمين، في عهد الملك سليمان بن عبد العزيز، فما يحدده الأمير سعود الفيصل لا يبرر بشكل كاف وضع الإخوان المسلمين على قائمة الإرهاب السعودية.
إن عبارة سعود الفيصل تبرئ الإخوان من أية أعمال جنائية، أو إرهابية ضد المملكة، وهذه تبرئة واقعية، وهي في غاية الأهمية. إن تهمة الإرهاب لا تلصق بالأفراد أو بالجماعات إلا بعد أعمال جنائية إجرامية واضحة لا تقبل تأويلا غير الإرهاب، أو التآمر على الدولة واستقرارها.
سعود الفيصل يتحدث عن مشلة بسيطة، ونقطة خلاف يسيرة ، مع فئة قليلة من الإخوان ، هذا من ناحية، ويحاصرها في قضية فكرية يسيرة من ناحية ثانية.
أما الفئة القليلة فأحسبه يشير إلى أبناء تنظيم الإخوان ممن يحملون الجنسية السعودية، ومن ثمة فهو ليس معنيا بأعضاء التنظيم من المصريين أو السوريين أو غيرهم. وأما أنها فكرية فلأنها تتعلق بالبيعة. وربما يرى سعود الفيصل أنه لا تجوز بيعتان في بلد واحد من فرد واحد، بيعة للملك السعودي خادم الحرمين الشريفين، وبيعة أخرى من نفس الشخص للمرشد العام وهو مصري الجنسية؟!
هذه المشكلة يسيرة، وتحتاج إلي تحرير فكري، فالبيعة في حركة الإخوان بيعة (تنظيمية)، تماثل تقريبا العضوية في الأحزاب، وهذه البيعة ترتب حقوقا تنظيمية للأفراد، وواجبات تنظيمية عليهم إزاء التنظيم، وهي ليست البيعة (العامة بيعة الإسلام ) كبيعة الأفراد للخليفة، أو الملك، أو صاحب السلطان، والتي تناولتها الأحاديث النبوية بالبيان ،والتي يمنع الشارع الفرد من خلع بيعته للخليفة إلا بحقها.
(بيعة الإسلام، ليست بيعة التنظيم) ، وإذا ترك فرد بيعة التنظيم لسبب من الأسباب، يبقى مسلما له كل حقوق المسلمين، ولكنه لا يتمتع بالحقوق التي تخص أفراد التنظيم، تماما كما أن من ليس عضوا في حزب ما لا يتمتع بحقوق من في الحزب. وعليه فهذا الذي ترك بيعة التنظيم ، ليس مفارقا للجماعة، لأن الإخوان هم من جماعة المسلمين، وليسو جماعة المسلمين.
ولا أظن أنه ثمة خفاء في هذه المعاني عن سعود الفيصل، لما يتمتع به من خبرة وذكاء. ومع ذلك فيجدر بقادة الإخوان بيان مفهومهم للبيعة التنظيمية، ومراسلة قادة المملكة لتجلية الأمر جيدا، ومن ثمة تطوير الموقف السعودي نحو المصالحة، لأن كلامات سعود الفيصل تفرش طريقا واسعا للمصالحة، من خلال تحديد المشكلة الفكرية، وإخراجها من دائرة الجناية والأرهاب، ومن خلال التقليل منها، وحصرها في فئة قليلة من الأفراد.
ثمة مؤشرات أخرى تحدثت فيها وسائل الإعلام عن وجود فرص حقيقية للمصالحة بين الإخوان والقيادة السعودية الجديدة، وهذا أمر جيد للطرفين، وللمنطقة، وللمسلمين أينما كانوا، وعلى قيادة الإخوان الاقتراب خطوة من القيادة السعودية، لبناء سياسة مسئولة تردم الجفوة، وتمحو القطيعة، وتؤسس للتعاون، وتستعيد الثقة.