د. يوسف رزقة
من استمع إلى خطاب نيتنياهو في الكونجرس الأميركي مساء أمس الثلاثاء يدرك أن نيتنياهو يتصرف وكأنه الحاكم الفعلي للعالم؟! نيتنياهو يمارس حكم العالم من خلال الكونجرس الأميركي. أكثر من ذلك كان خطاب نيتنياهو كاشفاً لاستراتيجية اليهود في حكم العالم ، والسيطرة على إدارته. ما كان خيالا صار واقعا. اليهود يتحكمون في أميركا ويحكمون العالم، أو يودون إتمام عملية حكم العالم من خلال أميركا. الخطاب بمضامينه، وبتفاعلات المستمعين له داخل القاعة، وبعدد مرات الوقوف إعجابا وتصفيقا بما يقوله نيتنياهو يكشف عن مدى النفوذ اليهودي الصهيوني داخل مؤسسات صنع القرار في أميركا، وبين الناخبين الأميركيين، وفي داخل الحزبين الأمريكيين المتنافسين على السلطة، وعلى إرضاء اليهود.
نيتنياهو قدم دولة الاحتلال واليهود بصورة الضحية التي أحرقها النازيون، والتي يلاحقها القتل والدمار الآن من خلال إيران والقنبلة النووية المزعومة، والتطرف الإسلامي. نيتنياهو الذي ذهب إلى الكونجرس متحديا الرئيس أوباما وإدارته، أسرف إسرافا لا مثيل له في رسم صورة شريرة لإيران ، وفي رسم صورة ذهنية لخطر اتفاق دول خمسة زائد واحد، المحتمل مع طهران، وباتت الصورة الذهنية التي حملها عقله وفكرة تتغلغل في أذهان من استمعوا له في القاعة، وهو ما عبرت عنه وقفات التصفيق والإعجاب التي لم أحص عددها لسماجتها ( على الحامي والبارد كما يقولون) .
لقد كان نيتنياهو عنيفا في تسفيه فكر الإدارة الأميركية، وكان عنيفا في وصف غبائها وغباء الدول الخمس بما فيها روسيا أيضا، وهو أمر لا يستطيعه غيره من زعماء الدول، ويستطيعه اليهود فقط؟! نيتنياهو قدم نفسه للعالم على أنه المنقذ الوحيد للعالم ولليهود ولأميركا من الخطر الإيراني القادم خلال بضع سنوات ؟! قادة الدول الخمس الكبرى غافلون، وجهلة ، ولا يقرؤون إيران جيدا، وهم بغبائهم يعرضون أمن إسرائيل للخطر؟! لذا هو لا يبالي بالاختلاف مع أوباما، أو مع الدول الخمس ، ولا مجاملة عنده أمام ما يتهدد دولته من خطر قاتل؟!
عندما استمعت إلى الخطاب تخيلت أنني أستمع إلى ملك العالم، المتفرد بالفهم، وصاحب القرار الدولي في توجيه حركة الدول الكبرى، ودول الإقليم. لم يكن نيتنياهو ملك ( إسرائيل) فحسب ، فيما قال في خطابه، وفيما قدم من توجيهات لأميركا والدول الخمس، بلغة يجب فعل كذا، والامتناع عن فعل كذا، فهل كنا مع مشهد من مشاهد علو بني إسرائيل التي تحدث عنها القرآن الكريم؟ أم أن هناك علو أعظم أت على الطريق؟!
لست أدري ماذا سيكون رد إيران على خطاب الكراهية ، وإشعال نار الحرب، وتعظيم الحصار الدولي عليها، لإخضاعها لإرادة الملك نيتنياهو؟! وأترك هذا للأيام القادمة، لنرى ما هو الرد؟! ويهمني أن أقول إن من يخوف نفسه والعالم من القنبلة النووية الإيرانية، ومن سباق إقليمي على السلاح النووي، عليه أن يقبل بنزع السلاح النووي من منطقة الشرق الأوسط. وعلى دولة الاحتلال أن تنزع سلاحها النووي أولا حتى تنعم المنطق بالاستقرار، وتخرج من قبضة التهديد النووي. وعلى إيران وقادة المنطقة أن يستثمروا خطاب نيتياهو العنيف هذا لطرح مبادرة حقيقية وعملية لنزع سلاح إسرائيل النووي أولا، وإخلاء المنطق من السلاح النووي ثانيا.