د. يوسف رزقة
ما زالت الأمم المتحدة المنظمة الدولية المسئولة عن الأمن والاستقرار والأعمال الإنسانية ومنع الحروب غير مبالية جيدا بالأوضاع الإنسانية والحقوقية في غزة. المنظمة الدولية تخلت عن جل اختصاصاتها في تعاملها مع غزة خوفا من أن تثير حفيظة دولة الاحتلال. باختصار المنظمة الدولية في غزة تقوم بعمل واختصاص الصليب الأحمر الدولي فقط. بينما هي في مناطق أخرى من العالم تقف مقررة، وفاعلة.
بالأمس عقد جيمس رولي منسق الشئون الإنسانية في المنظمة، مؤتمرا صحفيا في مستشفى الشفاء في غزة، حيث يمثل المستشفى نموذجا للمعاناة الإنسانية لسكان غزة. تحدث جيمس في المؤتمر عن ثلاث قضايا تهم المواطن الغزي، وتمس حياته اليومية ساعة بساعة.
القضية الأولى طالب فيها المجتمع الدولي برفع الحصار عن غزة ، وقال بجب رفع الحصار؟! . والثانية طالب فيها الدول المانحة للوفاء بتعهداتها المالية من أجل إعادة الإعمار. والثالثة ناشد فيها مصر بفتح معبر رفح أمام المسافرين، وأصحاب الحالات الإنسانية، والعاقلين والمرضى.
ما قاله جيمس رولي جيد ومفهوم، غير أن اكتفاء المنظمة الدولية بالقول، وبالمطالبة، وبالمناشدة، دون أية إجراءات عملية، ودون قرارت قابلة للتنفيذ من خلال مجلس الأمن، أو الجمعية العامة، أو غيرها من المنظمات الدولية ، غير كاف، ولا يعبر عن تعامل إيجابي وفعال مع قضايا السكان في قطاع غزة. وبعبارة أخرى أين يصرف المواطن الغزي كلمات: ( يجب، وأطالب، وأناشد؟!).
في مواقع أخرى من العالم كانت المنظمة الدولية مقررة، أو مشرّعة لما تقوم به الدول، كان هذا في حرب العراق، وفي حرب أفغانستان، وفي كوسوفو ، وفي جنوب أفريقيا، ولم تقف في هذه المحطات عند (يجب، ونطالب ، وناشد).
الناس تموت في غزة وأمام جيمس رولي في مستشفى الشفاء وغيره، بسبب نقص الدواء، أو نقص الخبرة، أو نقص مستلزمات العلاج، أو إغلاق معبر رفح بطريقة خالية من الإنسانية ومن المسئولية، وهذه الحالة التي يتحدث عنها رولي لها سنوات وليست وليدة اللحظة، وقد سبقه العشرات في المناشدة والمطالبة وما يجب. فهل ثمة متسع لغزة أن تسمع عبارات : ( يجب، ونناشد، ونطالب وفقط؟!).
ما قاله رولي وغيره من أعضاء المنظمة مفهوم ومقبول، ولكن في باب الكلام والعاطفة فقط ؟! لأنه لا يعطي مريضا قبلة الشفاء، ولا يقدم لنازح من بيته المهدم مأوى من قسوة المنخفضات الجوية. نريد من رولي ترجمة الأقوال إلى أعمال مفيدة، فالمنظمة الدولية قررت مرات ومرات عدم شرعية الحصار على غزة، وأنه عقوبة جماعية ويمثل جريمة، غير أنها وقفت عاجزة عن ترجمة أقوالها إلى أعمال لأنها تخاف ( إسرائيل) ، وتخشى نفوذها في العالم.
المنظمة الدولية لا تقوم بالمسئولية الإنسانية حسب قوانينها، ولا تقوم بالمسئولية القانونية وملاحقة المجرمين بحسب اختصاصها، ولا تفرض أدنى عقوبة على من يحاصر سكان غزة خلافا للقانون الدولي، المنظمة الدولية مؤسسة مأزومة، أو قل هي مؤسسة للدول القوية، ولا تلتفت جيدا للضعفاء.
احتلال غزة قارب على نصف قرن تقريبا وقرارات المنظمة وقوانينها تجرم الاحتلال وتبيح للسكان مقاومته، إلا في حالة الاحتلال الإسرائيل، حيث تقف المنظمة ضد المقاومة، وتمنح الاحتلال خمسين سنة للبقاء، وتقف موقف الصليب الأحمر الذي يقوم بإطفاء النيران ونقل الرسائل بين السجين وأهله.