د. يوسف رزقة
في الخامس والعشرين من فبراير المنصرم نقلت وكالة رويترللأنباء تصريحا لسوزان رايس مسئولة الأمن القومي الأميركي في إدارة أوباما تقول فيه: ( إن خطاب نيتنياهو في الكونجرس في الثالث من مارس سيكون مدمرا للعلاقات الاسرائيلية الأميركية؟!).
مضى الثالث من مارس، وألقى نيتنياهو خطابا عنيفا ضد سياسية أوباما في إدارة الملف النووي الإيراني، وقد استفاض نيتنياهو في النقد، وفي مخالفة توجهات إدارة أوباما، وزعم أن الاتفاق مع إيران يهدد وجود دولة ( إسرائيل)، وقد حظي الخطاب بتصفيق متكرر من أعضاء الكونجرس، ورفع نيتنياهو أنفه إلى السماء متعاليا على أوباما، و على كيري، وعلى غيرهما من أعضاء الإدارة، لأنه يمتلك ورقة الكونجرس بقوة.
سوزان رايس التي وصفت الخطاب قبل إلقائه بأنه مدمر للعلاقات الأميركية الإسرائيلية، لم تعلق على الخطاب بعد إلقائه في الثالث من مارس، ولا أدري لماذا لم تعلق على الخطاب الذي امتلأ بانتقادات حادة لسياسة أوباما ؟! وهذا ربما يدفع بسؤال آخر للواجهة يقول : وهل تستطع رايس انتقاد نيتنياهو ومهاجمة خطابه ، وهي تحظى بمنصب رفيع فى إدارة الأمن القومي الأميركي؟! لا أحسب أن رايس يمكن أن تغامر بانتقاد نيتنياهو، لأنها جزء من إدارة تعاني من الضعف ، ومن تراجع الأداء الأميركي الخارجي.
لو كان نيتنياهو أمام إدارة قوية في البيت الأبيض، لما تجرأ على هذه المغامرة في مخالفة الإدارة الأميركية وكشف ما يراه عيبا لها على الملأ ومن بيت الكونجرس أكبر مؤسسة في النظام الأميركي. نيتياهو قرر المغامرة بعد أن تلقى دعما قويا من الجمهوريين وبعض الديمقراطيين في الكونجرس، ومن هنا نستطيع القول بجملة قصيرة frown رمز تعبيري إن إسرائيل تحتل الكونجرس) وتقرر ما تريد من خلال المشرعين الأمريكيين، وفي هذه الخلاصة رسالة واضحة لكل فلسطيني وعربي ينتظر وساطة أميركا، وعدالة أميركا. وهي رسالة أيضا لكل نظام عربي يتحالف مع أميركا.
في دولة الاحتلال ثمة من ينتقد خطاب نيتنياهو، وينتقد ما حمل الخطاب من رسائل مدمرة للعلاقات الأميركية الإسرائيلية، لأن فيه هدم لاستراتيجية ذهبية ثابتة منذ ابن غوريون، تقوم على الحفاظ على تتأييد أميركا لاسرائيل. في دولة الاحتلال من يرى أن نيتنياهو أخطأ، وكان أحمقا في هجومه العلني، بمخالفته لما استقر في استراتيجيات ( إسرائيل)، ويستشهدون على خطئه بأن الخطاب لم ينجح في كسب مقاعد انتخابية إضافية لحزب نيتنياهو.
إن أهم ما يجدر أن نهتم به كفلسطينيين وكعرب من خلال ما تقدم، هو الدرس الذي يقول إن الإدارة الإميركية لا تجرؤ على مخالفة تل أبيب أو معاقبتها، ولا يجرؤ أوباما أن ينتقد علنا ( إسرائيل) بمثل ما قام به نيتنياهو مع توفر المخالفة وأسباب الانتقاد، لأن إسرائيل تدير الكونجرس، ومن ثمة فإنه على من يبحثون عن وساطة أميركية عادلة في الصراع أن يراجعوا مواقفهم قبل فوات الأوان، وعليهم إحداث تغيير ذي مغزى في إدارتهم للعلاقات الدولية في ضوء الدرس المستفاد.