د. يوسف رزقة
ثلاثون يوما مرّت الآن على إغلاق معبر رفح منذ أن قررت السلطات المصرية إقامة منطقة عازلة بسافة (١٤) كيلو متر طولا هي حدود مصر مع قطاع غزة، وبعمق (٥٠٠-١٠٠) متر داخل رفح المصرية، بينما هي لم تقم منطقة عازلة على حدودها مع دولة الاحتلال؟! في الوقت الذي أقامت فيه سلطات جدار فصل وعزل بعشرات الكيلوات، بحجج أمنية أيضا؟!
مصر تعزل غزة، وتهدم رفح المصرية لأغراض أمنية حسب ما تقول السلطات، وهو إجراء مستحدث بعد أن كانت رفح فلسطين ورفح مصر مدينة واحدة، وتسكنها عوائل بعض أفرادها في رفح فلسطين، وبعضها الآخر في رفح مصر وتحمل الجنسية المصرية، منذ عام ١٩٤٨م،أو قبل ذلك التاريخ. السلطات المصرية الآن لا تنظر في التاريخ، كما لا تنظر في ضرورات الجغرافيا، ولا تقبل بالاحتجاجات الإنسانية أو القانونية التي يدافع بها سكان رفح المصرية عن حقهم في البقاء، حيث دفن الآباء والأجداد؟!.
مصر التي أنشأت المنطقة العازلة بحجج أمنية لا يؤكد الواقع صحتها، ولا تؤكد السياسة حاجة مصر إليها، تزيد الأمر على غزة عسرا بعد عسر من خلال الإغلاق المتواصل لمعبر رفح البري، الممر الوحيد الذي يصل سكان غزة (1.8) مليون نسمة مع العالم الخارجي. ثلاثون يوما مرت على آخر إغلاق لممر رفح، وتكدس العالقون في الأراضي المصرية وغير المصرية، حتى بلغ عددهم بحسب السفارة الفلسطينية في القاهرة نحو (3500) عالقا؟! ،لا أحد يمكنه تصور مأساتهم، وتصور ألمهم في انفسهم ومصالحهم، وفي المقابل أضعاف هذا العدد هم مجبرون على البقاء في غزة إلى أن تأذن السلطات بفتح المعبر، مع أن مصالحهم ترتبط بسفرهم حيث إقامتهم، وحيث جامعاتهم، ومصالحهم في العلاج خارج غزة التي ينقصها العلاج والدواء.
مصر السلطات تغلق المعبر لأسباب أمنية؟! وتقيم منطقة عازلة لأسباب أمنية أيضا؟! ( صدقنا وآمنا)، ولكن كيف نتقبل حملة التشهير التي تتصاعد في وسائل الإعلام ضد غزة، وضد حماس، بينما لا كلمة واحدة في الإعلام عن اسرائيل وعدوانها؟! وكيف نتفهم نظر القضاء المصري في طلب عاجل بغلق معبر مصر نهائيا مع غزة؟! وكأن غزة قطعة من بلاد الأعداء، لا قطعة من بلاد العرب، والمسلمين، وكأن سكان غزة من عالم الشيطان، لا من خلق الرحمن؟!
ما يجري من حصار غزة، لا سابقة له في التاريخ، وكل خطوة من خطوات الحصار تخدم مصالح إسرائيل، وبقاء احتلالها لغزة، والقدس والضفة، وكل عربي حرّ يؤمن برفع الحصار عن غزة، لا لخدمة غزة فحسب، بل لخدمة مصر والعرب أيضا في مواجهة الأطماع الصهيونية في المنطقة، وهي أطماع تتجاوز فلسطين، ولا تقف قبل خيبر، وأذرعات.
حصار غزة هو حصار لمعقل الحرية العربية، وحصار لمستقبل مصر، والأمة العربية، وسيبقى اليهود يهودا مع حصار غزة، وبدون حصار غزة، ولن تنسى اليهود ثارات خيبر، وها هم يذكروننا يوميا بهيكلهم زاعمين أنه كان مقاما في جبل الهيكل في الأقصى قبل نزول الاسلام بآلاف السنين. معقل الحرية هو هدف الحصار، وهو هدف المنطقة العازلة، وهو هدف إغلاق معبر رفح، ولا شيء بعد هذا، ولا أظن أن غزة ستضحي بحريتها مع قسوة الحصار، ولها ربّ عظيم بيده مفاتيح الأمور.