د. يوسف رزقة
في المعارك التي لا تنهي بنصر كامل واستسلام أحد طرفي القتال، يكون الطرف الأقوى سلاحا، والأوفر اقتصادا، والأوسع في تحالفاته الإقليمية والدولية، هو الأقدر على استثمار مخرجات المعركة لكي يحقق بالمفاوضات، والإجراءات السياسية، والاقتصادية، والإدارية، ما لم يحققه في القتال في أثناء المعركة.
لقد توقفت عمليات القتال على حدود غزة مؤقتا ، لتبدأ فورا معركة استثمار مخرجات المعركة وتوجيهها نحو الأهداف الاستراتيجية التي لم تتحقق بالقتال.
ما من شك أن نزع سلاح المقاومة كان، ومازال هدفا رئيساً (لاسرائيل)، ولمن تحالف معها في الظاهر والباطن، ومن ثمة يرى هذا الطرف المتحالف أنه ثمة فرصة ذهبية سانحة للوصول الى هذا الهدف، بالاستثمار المتدرج، والضغط المتواصل.
حين تعمدت حكومة نيتنياهو سياسة الهدم والتدمير في الحرب الأخيرة، ( اربع مليارت طن ردم هي من مخرجات سياسة الهدم في غزة ؟!) . حكومة الاحتلال كانت تعرف ما تريد من الهدم والتدمير، وكانت تهيئ المسرح لعملية استثمار وابتزاز للوصول الى أهدافها بعد وقف إطلاق النار والتهدئة. التدمير واسع النطاق ، وقد أخذ شكلا ممنهجا، لذا لم يكن عبثا بغرض التدمير فحسب، بل استهدف استخدام كل مخرجاته، وكل متعلقات إعادة الإعمار للوصول الى سلاح المقاومة.
سلاح المقاومة ليس هدفا (لاسرائيل) فحسب، بل هو هدف لها ولكل من تحالف معها، أو وقف متفرجا على ذبح غزة، وهو هدف عند أطراف عربية وفلسطينية؟!، لذا لا يتوقع عقلاء غزة أن تسفر مفاوضات الأطراف برعاية مصر في الأيام القادمة عن تسهيلات اسرائيلية، أو عربية، أو دولية لإعادة الإعمار.
كما لا يتوقع أهل الخبرة مؤتمرا دوليا سخيا لتوفير أموال إعادة الإعمار، وسيربطون تبرعاتهم بعدم عودة القتال والهدم والتدمير، وعيونهم في هذا الربط على سلاح المقاومة.
وهنا يذكروننا الخبراء أيضا بمؤتمر شرم الشيخ في ٢٠٠٩ لإعادة الإعمار، والذي رصد على الورق خمسة مليارات دولار لم يصل منها دولار واحد الى غزة.
أطراف التحالف مع اسرائيل يعدون مجموعة من (المشانق) للمقاومة ولسلاحها، بشكل مباشر وغير مباشر، من خلال عملية استثمار طويلة لمخرجات الحرب الأخيرة، و من هذه المشانق التي يتهيأ لها مسرح الأحداث مشنقة إعادة الإعمار، فكل الأطراف المخاصمة لغزة وللمقاومة لا تتعجل التسهيلات، ولا تتعجل تدفق الأموال، وتضع أثمانا باهظة لكل خطوة تخطوها، وهي تدرك حجم الأثقال الضاغطة على المقاومة، واليمن عندها يجب أن يكون من سلاح المقاومة.
إن قرار أطراف التحالف الداعية الى ترسيخ سلطة محمود عباس في غزة من خلال إجراءات سياسية، واقتصادية، ومالية، ومنها المعابر، والتصرف بصندوق إعادة الإعمار بدون شراكة مع حماس، مع إزاحة حماس عن المشهد، بمهاجمتها بشراسة، وتحميلها مسئولية تأخير إجراءات إعادة الإعمار، وتجميد دور حكومة الوفاق في غزة، و اختراع عباس لما يسمى حكومة الظل، والتهديد بفك الشراكة، وتسويف الإجراءات ذات العلاقة بملفات المصالحة، ليست إلا محاولة ثانية تعزز سابقتها في عملية نصب مشنقة للمقاومة ولسلاحها.
إن نصائح توني بلير لنيتنياهو في أثناء الحرب الأخيرة قالت: ( لا تقاتلوا الفلسطينيين، ودعوهم يقتتلون، ويقتل بعضهم بعضا، ووفروا لهم بيئة القتال اللازمة ) وأحسب أن هذه البيئة باتت تهددنا أكثر فأكثر مع ملف إعادة الإعمار، وملف بسط سلطة عباس وأجهزته الأمنية، بمسميات مختلفة، وتحت ضغط الرواتب والحصار ومتطلبات الإعمار. ومن ثمة كان الحديث عن مفاوضة العدو في هذه البيئة خطأ ومربكا.