د. يوسف رزقة
يبدو أن طحن الهواء هواية سياسية عند الضعفاء، ومن لا يملكون رؤية بديلة للفشل. لا أحد ينازع في فشل عباس وعريقات في ملف المفاوضات، وإقامة الدولة. وبالرغم من هذا ما زال التفاؤل يحدو عريقات في آخر تصريح له بنجاح خطوة التوجه إلى مجلس الأمن بغطاء عربي لتقديم مشروع إنهاء الاحتلال؟!
عريقات بنى تفاؤله بأن أميركا في حاجة إلى التحالف العربي ضد تنظيم الدولة، ومن أجله هذه الحاجة فلن تغامر بالفيتو. وهذا قول ( مرجوح ) مبني على ما يتمناه عريقات، لا على حقائق السياسة الأمريكية.
لقد غاب عن عريقات أمران في هذا التصريح:
الأول: أن الدول العربية التي تقف ضد تنظيم الدولة هي من تحتاج أميركا ودورها في الحرب على تنظيم الدولة وليس العكس. ولأنها محتاجة لأميركا، فإن جزءا مهمامن التكاليف المالية الأميركية تتحملها الدول العربية الغنية. ومن الخطأ قلب المعادلة. ومن هنا نفهم تصريح الإدارة الأميركية بالحرب طويلة الأمد ضد تنظيم الدولة. إن طول أمد الحرب له نصيب في استراتيجية أميركية طويلة في المنطقة لاستزافها، وتركيعها، وجعل التطبيع مع إسرائيل مطلبا عربيا كما هو مطلب إسرائيلي.
والثاني: أن أميركا لا تغامر في إدارة السياسة مع اسرائيل بشكل دراماتيكي، على الرغم من الخلاف بين أوباما ونيتنياهو، وبالذات في الملف الأيراني. إن تمرير قرار عربي فلسطيني في مجلس الأمن ضد الاحتلال بدون فيتو أميركي، يعد في السياسة الأميركية الإسرائيلية خطوة دراماتيكية ، وتحول قوي، وإدارة أوباما لا تملك القوة، أو لا تملك إرادة القوة للإقدام على هذه الخطوة. ومن ثمة فإن توقعات عريقات لا تتجاوز التمنيات، أو الدفاع عن العجز الفلسطيني التفاوضي.
في غضون أسابيع خلت قامت برلمانات دول أوربية عديدة،( كسويسرا، وبريطانيا، وفرنسا، وبلجيكا)، بالاعتراف الرمزي غير الملزم للحكومات بالدولة الفلسطينية. هذا الاعتراف الرمزي استقبلته فلسطين بكثير من المبالغة، ولكنه لا يستحق ذلك، لأنه لا يخرج على الأغلب عن نوع من تبادل الأدوار مع أميركا وأوربا للضغط على اسرائيل، لتليين موقفها، ولا يخرج عن مناورة لدغدغة مشاعر الفلسطينيين، وإيهامهم أن أوربا لا تنسى القضية الفلسيسطنية، حتى في حالة الانشغال بتنظيم الدولة.
هذا الأداء الرمزي للبرلمانات الأوربية، يعطي مؤشرا على الموقف الأميركي القادم في مجلس الأمن ،بإنه لن يتجاوز الإشارة الرمزية، وإذا ما تقدمت السلطة، والعرب بمشروع قرار تشارك في إعداده دول أوربية كفرنسا وبريطانيا، معرض الفيتو الأمريكي أذا تجاوز المشروع المواقف الرمزية التي وقفت عندها البرلمانات الأوربية.
إننا في العالم العربي، وفي الساحة الفلسطينية نطحن الهواء في ملف المفاوضات مع إسرائيل ، ونخلط بين الواقع والأمنية، ونحول ما نتمناه واقعا في أذهان الشباب ، وهو أمر زعزع الثقة بين الشباب والقيادات النافذة، وجعلها في محط السخرية، وموقع الاستهزاء، بل جعل تقة الساسية فيما يقول مهزوزة لأنه لا يملك القناعة اللازمة الإقناع فيما يقول، لذا كان تصريح عريقا المصاحب لهذا التصريح،( متى أعود إلى الحياة المحترمة ؟!).