د. يوسف رزقة
سمعنا في الزيارة البروتوكولية لحكومة الحمد الله لغزة كلاما طيبا. الكلام الطيب في السياسة جيد، ولكن العمل بموجبه أجود. في غزة بلاغة المشرقين والمغربين، ولكن ليس في غزة ثقة في كلام الساسة، وإن كان كلامهم من فئة القول الطيب.أبلغ الكلام، والعمل، راتب في الصراف الآلي، وكيس إسمنت يمرّ من المعبر، وغير ذلك كلام في كلام.
غزة المكلومة، صاحبة العطاء والكرم، أعطت الحمد الله وحكومته ما أرادوا وفوق ما أرادوا، اعطتهم التفويض وما بعد التفويض، ولم تأخذ منهم شيئا غير عبارات من الإنشاء الجميل، وحزمة من المشاعر والعواطف.
انتهت الزيارة البروتوكولية بمصادقة غزة على تفويض الحمد الله لاستلام شيك إعادة إعمار غزة، المتوقع إصداره في مؤتمر المانحين في ١٢أكتوبر الجاري.
لا توجد عقبات أمام الحمد الله وحكومته في تمثيل غزة وفلسطين في مؤتمر المال والمنح. يقال إن رغبة حكومة الحمدالله في الحصول على صورة هذا التفويض من خلال هذا المشهد البروتوكولي هو الذي حدد موعد الزيارة وجعل من غزة ممرا جغرافيا وسياسيا وماليا للقاهرة وللمؤتمر، لذا وجب على أهل المفهومية شكر غزة الجريحة، التي صبرت على جراحها النازفة، ولم ترفع صوتها احتجاجا على الزيارة.
في غزة جراحات لا تلتئم بالزيارات، ولا بالكلام البليغ. ربما أشد الجراحات إيلاما ما لا يظهر من خلال الكاميرا، ولا تقع عليه عيون الزائرين للدمار في شرق غزة وغيرها، لذا يحسن في هذه الحالات تقليل الكلام ، وتكثير العمل، فإن لم يكن ثمة عمل فالصمت من ذهب.
في غزة أسر تعودت الصبر الجميل، لأنها آمنت بما عند الله، وبما أصاب أيوب من شفاء في الدنيا، وقبول في الآخرة. هم صابرون ولكنهم يتألمون مما يجري حولهم من تجارة بآلامهم، أو ابتزاز لمواقفهم الوطنية من العدو والصديق، وباتوا يكرهون الكاميرا، ولا يؤمنون بلغتها؟!
انتهت زيارة حكومة ما يسمى بالتوافق لغزة، ولا حديث مسئول عن مخرجات الزيارة، وغدا تعود الحكومة الى رام الله، ولسنا ندري ماذا سيكون منها في اليوم التالي، فهل أنهت الحكومة مشكلة رواتب الموظفين؟ وهل من وفروا الأمن للزيارة لا يستحقون راتبا لأنهم عسكريين لم يتلقوا تدريبا من دايتون ؟! وهل بدأت الخطوة الأولى في حل مشكلة الكهرباء، وإمدادات غاز الطهي؟! وهل ستشهد الوزارات في غزة انتعاشا، وتواصلا وزاريا من المركز، أم إن طريق التواصل معطل بمطالب أخرى من غزة؟!
لم تخضع تضحيات غزة في الحرب الأخيرة لروتين العمل الحكومي، ولكن تضميد جراح غزة لا بدّ أن يخضع في نظر السلطة وغيرها، لروتين حكومي تختلط فيه مفاهيم حزبية وفصائلية، وأصباغ الشرعية، والانقلاب على الشرعية، بالحقوق والواجبات، وفي هذا إجحاف بحقوق أصحاب البطولة والتضحية، وأصحاب العطاء والصبر. لذا وجب التحذير من تداعيات هذه المفارقات التي اختص بها الحكم في فلسطين المحتلة، دون غيرها من البلاد التي تسارع في إكرام أهل العطاء، والمتضريين بالحروب، وتعالج مشاكلهم خارج الروتين الحكومي المعتاد.