د. يوسف رزقة
( تعبت وقررت الاستقالة )، العبارة منسوبة إعلاميا للرئيس محمود عباس. العبارة قصيرة وبها أمران : الأول - التعب، وهذا شيء حقيقي، وتؤيده الوقائع. تعب رئيس السلطة لا نقاش فيه، فالرجل بلغ الثمانين. وقديما قالوا : إن الثمانين وقد بلغتها أحوجت سمعي إلى ترجمان. الزمن وتقدم العمر لا علاج لهما، ولا شفاء من تداعياتهما، لذا نصدق فكرة تعب الرئيس، ويزداد التعب العادي ثقلا على الإنسان إذا داهمته مشاعر الفشل والعجز عن مواصلة الطريق، واعتقد أن الرئيس يعاني من حالة فشل عميقة لم يحس بها من قبل، بعد أن تخلت عنه قيادات عربية، وغير عربية، وبات يستجدي مشروع مقترح فرنسي وغير فرنسي لإعادته للمفاوضات.
إن حالة الإساس بالفشل ولدت في نفسه مشاعر عجز في قيادته لفتح والسلطة ، وتوفير مستلزمات المال لمواصلة الطريق. من حق عباس أن يرتاح، وأن يغادر المشهد المتعب، وأن يبدأ بكتابة مذكراته، وأتوقع أن تكون مثيرة ومفيدة في الوقت نفسه.
والأمر الثاني - الاستقالة، وهذا أمر لا نملك الجزم بوقوعه في غضون الأشهر القليلة القادمة، كما تزعم المصادر التي تحدثت في الموضوع، والتي حددت شهر سبتمبر القادم توقيتها للاستقالة، بعد أن ربطت التحليلات السياسية بين فكرة عباس عن الاستقاله ودعوةالمجلس الوطني للانعقاد، وتجديد انتخاب اللجنة التنفيذية للمنظمة، وعقد موتمر فتح السابع. ثمة أنباء فتحاوية متواترة عن ( مؤتمر فتح ، وعن عقد المجلس الوطني) ولكن لا يوجد تواتر ذو مصداقية على الاستقالة والمغادرة.
ما تطرحه الشخصيات والمصادر عن الاستقالة لا يزيد عن استراق سمع، وتحليلات لإجراءات، كتعيين عريقات أمين سرّ للجنة التنفيذية، أو عن أماني عند المتنافسين على مناصب الرئيس. وهنا علينا أن نتذكر أن الرئيس هدد بالاستقالة في سنوات مضت، ولكنه لم ينفذ تهديداته، وما زال متشبثا بمناصبه الدافئة. إن كل مكونات المشهد الفلسطيني تدعو عباس للاستقالة، بل إن المستغرب في ضوء هذا المشهد أنه لم يستقل حتى الآن، وملامح نهاية الطريق يرسمها غيره، ممن حوله، وممن يتعاملون مع طرف ثالث، وهذا يذكرنا بحال ياسر عرفات رحمه الله في نهاية الطريق.
ثمة منافسة حامية الوطيس في طبقة القيادات المحيطة بعباس من أمنيين وسياسيين، وعدد منه يريد مناصب عباس كلها، وبعضهم يريد بعضها، وبعضهم يريد عضوية اللجنة التنفيذية، وبعضهم يريد فصل المناصب، ولا أحد يدري ماذا تكون النتائج ؟ وبماذا يفكر الرئيس نفسه؟ ولكن استمعت مؤخرا لبعض قيادات فتحاوية ترى أنه إذا تحققت الاستقالة في سبتمبر، أو بعد سبتمبر، فيجب الفصل بين المناصب التي يشغلها عباس، بحيث تذهب رئاسة السلطة لشخص، ورئاسة فتح لآخر، ورئاسة اللجنة التنفيذية لثالث، وأن يتم هذا بالانتخاب الحرّ النزيه. ولكن أمام هذا المقترح عقبات ومعوقات، منها: أن منظمة التحرير ومجلسها الوطني، تحتاج إلى إصلاح وتطوير، ولست أدري هل يملك عباس القناعة والوقت للإصلاح . دعونا ننتظر فسبتمبر على الأبواب.