د. يوسف رزقة
لم يعد المشهد في القدس، وفلسطين المحتلة محتملا للعرب من سكان القدس، وسكان فلسطين المحتلة . العنصرية ( العرقية والدينية ) خرجت من قيودها التقليدية، لتصبح جزءا من سياسة الدولة والأحزاب، بعد أن كانت في الماضي تعيش في أحضان المتطرفين من المتدينين، والمستوطنين. إن هذا التحول الكبير نحو العنصرية، والعقاب الجماعي يعدّ أكبر تحول منذ عشرات السنين.
خذ أجزاء من المشهد في عام ٢٠١٤م، تدرك حجم هذ التحول الكبير والخطير على الوجود العربي والإسلامي في فلسطين المحتلة وداخل القدس، والأقصى، ومن هذه الأجزاء:
١- مشروع نيتنياهو حول ( يهودية الدولة ) الذي قرر عرضه على الكنيست كمشروع قانون، يهدم ما يسمى الديمقراطية الاسرائيلية، ليجعل اليهودية في الدولة قبل الديمقراطية، وليجعل من المساوة في الحقوق، وفي المواطنة داخل فلسطين المحتلة والقدس شيئا من الماضي، أو حلما يراه الفلسطيني في منامه فقط. هذا القانون الآن يحظى بتأييد جلّ أحزاب اليمين والوسط في إسرائيل، وقد وعدت ليفني بدعمه وتأييده عند عرضه في الكنيست، ولا يعارض القانون إلا نفر قليل من اليسار الأيديولوجي والمثقف.
نيتنياهو لا يطرح القانون من موقف سياسي لاستجلاب تأييد اليمين المتطرف ليبقى في سدة الحكم لدورة جديدة فحسب، بل هو يطرحه من اعتقاد راسخ لديه بأن إسرائيل التي يخطط لها، يجب أن تكون خالية من الفلسطينيين العرب، لأن وجودهم خطر على دولة اسرائيل، وعلى نقاء المجتمع الصهيوني، لذا كان نيتنياهو دائما من المؤيدين لفكرة( الترنسفير )، ومن المؤيدين للعديد من العقوبات الجماعية على الفلسطينيين.
٢- قرار نيتنياهو بالعودة إلي هدم بيوت المقدسيين في القدس، ممن يدافعون عن الأقصى، ويتسببون في موت اليهود، بعد أن توقفت حكومة إسرائيل عن تنفيذ هذا الإجراء منذ أربع سنوات، بضغط من المجتمع الدولي، واستجابت له حكومة تل أبيب تحت ضغط مفهومها للقدس الموحدة، التي تخضع لقانون واحد، وليس للقانونين. يؤكد هذا ما نجده من اعتراض لدعاة القدس الموحدة على إجراءات الحكومة وضع مربعات إسمنتية في الحدود الفاصلة بين القدس الشرقية والقدس الغربية، لتفتيش العرب، باعتباره إجراء يتضمن إعلانا يهوديا أن القدس غير موحدة.
٣- قرار رئيس بلدية عسقلان الأخير، الذي يفصل العمال العرب العاملين في البناء في مدارس البلدة، ومنع استخدام العرب في الأعمال التي تشرف عليها بلدية المدينة، وهو قرار عنصري من الطراز الممتاز، والأخطر من القرار نفسه، أنه حظي بتأييد 60% من الإسرائيليين حسب استطلاع الرأي الأخير، بينما رفض القرار 32% فقط، الأمر الذي يرجح انتشاره في مدن أخرى. وهنا يجدر أن نذكر بموقف بلدي لبلديات اسرائيلية تمنع تأجير البيوت للعرب داخل بعض الأحياء اليهودية، وفي نفس الوقت تمنع الحكومة العرب من البناء في الأحياء اليهودية، أو في مناطق قريبة منها. كما تمنع العرب من تراخيص البناء في مدينة القدس، بل وتمنع أيضا ترميم البيوت القائمة.
هذه النقاط الثلاثة مجرد أجزاء من المشهد الإسرائيلي في ٢٠١٤م القائم على التمييز العنصري، بأبعاده العرقية والدينية، وهو ما فجر الموجة الأخيرة من أعمال ( الجهاد الفردي) للدفاع الفلسطيني عن النفس، وعن الحقوق. وهذا النوع من الجهاد لا يحتاج إذنا من التنظيمات، بل أرجح غياب مسئولية التنظيمات عنه، مع بقاء المسئولية المعنوية فقط. إن انطلاقة الجهاد الفردي القوية تدعو المجتمع الدولي إلى الوقوف في وجه التحولات الخطيرة للعنصرية اليهودية والصهيونية، قبل أن تتفجر الحرب الدينية العرقية التي لن تقف عند القدس.