د. يوسف رزقة
ستون سنة وأنظمة الحكم العربي تستمد شرعية وجودها وبقائها في الحكم من القضية الفلسطينية والعداء لإسرائيل. تحرير فلسطين كانت نقطة المركز في البيان الأول الصادر عن الانقلاب أو الثورة. بعد الحادي عشر من سبتمبر ٢٠١١م تغير المعادلة وصارت أنظمة الحكم العربي تستمد شرعيتها، وبقائها في الحكم من العداء للقاعدة وغيرها من التنظيمات الإسلامية؟!
بعد أن تمكنت اسرائيل من الوجود بعد حرب ١٩٦٧م التي منحتها تذكرة المرور إلى واشنطن، والأمم المتحدة وعواصم الاتحاد الأوربي، الأمر الذي أسفر لاحقا عن إخضاع العواصم العربية للقبول بالوجود الإسرائيلي، كما جسدته اتفاقية كاب ديفيد، ثم أوسلو، ثم المبادرة السعودية العربية، لم يعد البيان الأول لأي من الانقلابات العربية يتضمن تحرير فلسطين البتة، بل باتت تل أبيب ممرا لكل انقلاب يريد المرور الآمن إلى الإدارة الأميركية؟! .
في هذه الفترة الممتدة من ١٩٦٧- ٢٠١٥م ، والتي يصح تسميتها بفترة ( التمكين) في حياة اسرائيل القصيرة حتما ، لم يعد العداء للاحتلال الأسرائيلي مبررا لبقاء أنظمة الحكم العربي في الحكم، أو تذكرة مرور الملوك والروساء إلى واشنطن والمجتمع الدولي، بل صار العكس مطلوبا، فمن أرد البقاء في الحكم طويلا بلا انتقادات أميركية أو غربية، وبدون قلاقل داخلية ، عليه التصالح مع تل أبيب، أو الاقتراب منها، ومعادة المقاومة الفلسطينية، والتيارات الإسلامية؟!.
من استمع جيدا لخطاب الثورات المضادة للربيع العربي في مصر، وسوريا، وليبيا، والعراق، إضافة لليمن كما في خطاب الحوثي الأخير، نجد أن تحولا كبيرا حصل على المعادلة سالفة الذكر، حتى يمكن القول إن معادلة معاداة ( القاعدة، وتنظيمات العمل الإسلامي) ، قد حلت محل معادلة عداء إسرائيل لثبيت الأقدام في الحكم وخداع الرأي العام العربي.
قادة الانقلاب والثورات المضادة، ومن يتماهى معهم من الملوك والرؤساء يطلبون الحكم والبقاء في الحكم بحماية أميركية غربية، من خلال العداء للقاعدة، وتنظيم الدولة، والإخوان ، والنهضة، وحماس، وغيرهم من تيارات الإسلام السياسي، ومن ثمة صار العداء للإسلام وتياراته هو نقطة المركز في البيان الأول للانقلاب، والخطاب الأول للثورة؟! ومن ثمة صار تنسيق خطوات العمل مع إسرائيل وأميركا لا لتصفية القضية الفلسطينية فحسب، كما هو الحال في التحالف الجديد ، الذي تكشفت معالمه المؤلمة في حرب (الجرف الصامد) ، بل وفي قضية إنشاء تحالف عربي دولي ضد تنظيم الدولة، والقاعدة، وغيرهما كحماس والإخوان؟!.
في القاهرة، ودمشق، وبغداد، وصنعاء، وحفتر، ودول أخرى أكثر استقرارا، محاولات جادة وحثيثة لطلب شرعية الحكم، والبقاء في الحكم، خارج الإرادة الشعبية، من الرضا والدعم الأميركي والإسرائيلي، بحيث يمكن القول: إن من يطلب الحكم عليه إرضاء إميركا واسرائيل، ودول الغرب، لأنهم مصدر السلطات في الدول العربية، وليست الشعوب العربية مصدرا لها البتة ؟! . هذا ما قاله الحوثي، والسيسي، ولأسد، وحفتر، والعبادي، وغيرهم ممن يتماهى معهم في العداء مع الإسلام السياسي، ويتماشى معهم في التصالح مع إسرائيل ، وتقبيل يديها، ومعاداة المقاومة الفلسطينية.