د. يوسف رزقة
ثمة تحول ما في مواقف دول غربية من القضية الفلسطينية. التحول ليس كبيرا حتى هذه اللحظة، ولكنه مهم، وذي مغزى. ربما جاء هذا التحول من تعنت حكومة نيتنياهو ورفضها التعامل الإيجابي مع حلّ الدولتين، حتى بحسب المفهوم الأميركي والغربي. ثمة شعور متزايد في البرلمانات الأوربية، وبين النخب السياسية، والمثقفة، التي تهتم بالشرق الأوسط، أن إسرائيل تتجه نحو إجهاض حلّ الدولتين، من خلال الإجراءات العملية التي تلتهم الأرض، وتمنع قيام دولة فلسطينية. وربما زادت الحرب العدوانية الأخيرة على غزة، وما نتج عنها من قتل وتدمير، وتشديد للحصار بما يعيق اعادة الإعمار من تفهم المطالب الفلسطينية، وضرورة إحداث تحول يضغط على نيتنياهو وحكومته، للتفاوض على حدود الدولة الفلسطينية، وتحديد زمن لانسحاب كامل من الأرض الفلسطينية.
إن من مظاهر هذا التحول قرار البرلمان البريطاني الذي يدعو بأغلبية ساحقة الحكومة البريطانية للاعتراف بدولة فلسطينية على حدود ١٩٦٧، وقد وصفت الصحف هذا الموقف بالرمزي، ولكن قادة الدولة العبرية، ينظرون له على أنه واحد من أهم التحولات الخطرة وذات المغزى، لذا وجدنا قادة حكومة اليمين كليبرمان، وبينيت يهاجمون الموقف البريطاني، ويدعون أنه سيعمل على إفشال المفاوضات، بينما توجهت قيادات يسارية من حزب العمل وغيره الى تحميل نيتنياهو مسئولية هذا التحول في البرلمان البريطاني بسبب فشل مفاوضات التسوية مع عباس، وتوقفها منذ فترة طويلة.
التحول البريطاني مهم لأنه مؤثر في مواقف دول أخرى في الاتحاد الأوروبي ، ولأنه يأتي بعد موقف حكومة السويد القاضي بالاعتراف بدولة فلسطين، ولأنه يأتي في هذه المرحلة، التي يبدو فيها أفق الحلّ مغلقا، وأن المنطقة تتجه نحو الصراع العسكري، ونحو عدم الاستقرار. في دولة الاحتلال امتعاض من الموقف السويدي، ومن موقف البرلمان البريطاني، لأنهما يتضمنان رسالة تقول : لقد ملت الدول الأوربية من الموقف الاسرائيلي، وترى في فشل المفاوضات ما يهدد الاستقرار، وأن مصالح دول الغرب في المنطقة ترتبط بحلّ مقبول للقضية الفلسطينية، ومن ثمة فإن موقفهما يحمل إغراء لدول أخرى للحذو حذوهما
لقد رحبت السلطة، وحماس، بموقف السويد، وبقرار البرلمان البريطاني، ولكن الترحيب لا يكفي، لأن السلطة عاجزة عن استثمار هذا التحول، ولأن الدول العربية عاجزة أيضا، وباتت مشغولة بهمومها الداخلية، وبالصراعات الطائفية والمذهبية، وباتت إسرائيل تحاول اختراق المواقف العربية بغرض العمل المشترك ضد تنظيم الدولة، وضد الطموحات الإيرانية، ويبدو أنها نجحت بتحقيق نجاحات مهمة في هذه المسألة. ومن ثمة تراجعت ، أو تقلصت مساحة الاهتمام بالقضية الفلسطينية في اعلام الدول العربية، حتى أنك لا تجد تغطية حقيقية لما يجري في المسجد الأقصى من انتهاكات خطيرة في هذه الأيام، حيث تتجه نحو تطبيق التقسيم الزماني والمكاني عمليا بدون إعلان. الأقصى يشتعل، والعجز العربي والفلسطيني يخيم على هذه المرحلة.