د. يوسف رزقة
بعيدا عن اللجان. بعيدا عن اللجان الفنية والإدارية. أقول بعيدا لأننا كعرب نمارس دفن القضايا في عالم النسيان من خلال اللجان. المثل الفلسطيني يقول ( إذا أردت أن تميت قضية شكل لها لجنة؟!). لا أحد في قطاع غزة يثق باللجان عامة، ولا أحد يثق باللجان التي شكلتها ما يسمى حكومة التوافق على وجه الخصوص. الكذب الذي تمتعت به حكومة ما يسمى بالتوافق بلغ مستوى غير مسبوق، فقد زعمت أن زيارتها الأخيرة لغزة كانت لحل المشاكل العالقة، ولكنها كانت قد جاءت لغزة من أجل القمة العربية لا من أجل المشاكل، بدليل تفاقم الخلافات والمشاكل بعد عودة رئيس الحكومة إلى رام الله، حيث اتخذت حكومته قرارات انفرادية، وضربت بعرض الحائط بمجموعة التفاهمات التي اتفق عليها الطرفان.
أودّ أن أكرر ما بدأت به من قول: بعيد عن اللجان، وأضيف إليه بعيدا عن كذب ما يسمى حكومة التوافق، لأنني أؤمن أن المشكلة التي تعاني منها الأطراف، وتعاني منها الحكومة، ويعاني منها المجتمع الفلسطيني، ليست مشكلة فنية، ولا مشكلة إدارية البتة، وهي ليست مشكلة قانونية أيضا، فأول الغائبين في النظام السياسي الفلسطيني القائم هو القانون والقضاء النزيه، فلا يستطيع أحد مثلا أن يقاضي السلطة، أو رئيس السلطة أمام القضاء لأن رئيس السلطة أوقف راتبه كموظف وقفا تعسفيا، وسياسيا، بدون قانون وبدون قضاء. آلاف الموظفين لا يتلقون رواتبهم بقرار تعسفي من رئيس السلطة نفسه، هؤلاء وهم جماعة كثيرة لا تسطيع مخاصمة رئيس السلطة أمام القضاء، ووفق أحكام القانون الفلسطيني، لأن القضاء عندنا في فلسطين للفقراء، والضعفاء، ورئيس السلطة فوق القانون، وفوق القضاء؟!
المشكلة التي في غزة، والتي في الضفة، والتي بين حماس وفتح، وبين الموظفين والسلطة، ليست قانونية، وليس إدارية أو فنية ، المشكلة في جوهرها أن النظام السياسي الفلسطيني ناقص في الواقع، حتى وإن زعم المدافعون أنه مكتمل على الورق، لأن الورق لا يسمن ولا يغني من جوع. رئيس السلطة محمود عباس يدير القرار الفلسطيني منذ سبع سنوات إدارة منفردة، بلا مجلس تشريعي حقيقي، ويديره بعد أن انتهت شرعيته القانونية كموظف في منصب رئيس منتخب؟! .
لست أجد نموذجا لهذا الوضع الشاذ في البلاد التي تبحث عن الحرية، والتي تحترم مفاهيم الحرية والديمقراطية، ويمكن للمرء أن يجد هذا النموذج البائس في البلاد المتخلفة، وفي ظل القيادات المستبدة التي تحكم من خارج البرلمان، ومن خارج الإرادة الشعبية الحرة.
المشكلة التي يعاني منها الفلسطيني هي في جوهرها مشكلة استبداد حقيقي، ومشكلة رفض تجديد الشرعيات من خلال الانتخابات الحرة النزية، ليس إلا؟!. وحين تقرر الأطراف الانتخابات، ويصار إلى إجرائها بشكل دوري، وبنزاهة وشفافية، عندها فقط يمكن أن تُحلّ مشاكل غزة، وبضمنها مشاكل الموظفين، ولن نحتاج يومها إلى لجان فنية وإدارية. عندها فقط ستتنافس الأحزاب والفصائل على تبني حلول عاجلة ومنصفة لمشاكل الموظفين، وستكون الحلول العاجلة والشاملة هي مركز الدعاية الانتخابية لفتح ولغيرها أيضا.
لهذا قلت بعيدا عن اللجان، وبعيدا عن الكذب، ولندخل معا إلى الجوهر: ( نريد نظام سياسي فلسطيني مكتمل المكونات والبنيان، قائم على الانتخابات، وخال من الاستبداد، ومن حكم الفرد. نريد هذا أولا ، وبعدها لن يكون هناك مشاكل للموظفين.