د. يوسف رزقة
ذكرى الانطلاقة (٢٧) ليست كغيرها لأسباب عديدة، ومنها الظرف الفلسطيني الداخلي وما يكتنفه من انقسام حقيقي بدأ بشكله المعلن مع ما يسمى حكومة التوافق. كانت حماس تأمل أن يكون اتفاق الشاطئ بداية النهاية للانقسام، غير أنها اكتشفت أن الانقسام تعمق بعد اتفاق الشاطئ، وأن معاناة غزة تفاقمت بإرادة فلسطينية تقودها قيادة السلطة.
ذكرى الانطلاقة (٢٧) ليست كغيرها لأنها تأتي بعد معركة عسكرية هي الأطول والأقسى في الحروب الثلاثة الأخيرة التي خاضتها حماس في ست سنوات، حيث كانت معركة ضد العدوان الصهيوني من ناحية ، وفي الوقت نفسه ضد التآمر العربي والفلسطيني أيضا من ناحية أخرى. لقد أوجعت المؤامرة غزة وحماس أكثر من إيجاع الطائرات الصهيونية.
سألت أحد قيادات حماس التي شاركت في إنجاز اتفاق الشاطئ لماذا لا يتسلم عباس المعابر بحسب المقترح الأوربي الذي وافقت عليه حماس، فقال لأنه يريد تعويق عمران غزة، ويريد زيادة معانا سكانها، للإصرار بحركة حماس وشعبيتها، ودفعها إلى التنازل عن سلاحها.
وسألته لماذا لم يستمر معبر رفح مغلقا؟ فقال لأن المؤامرة على غزة لم تصل إلى نهايتها، ولم تنجح في تحقيق أهدافها. وعلى غزة، وحماس أن تتوقع مزيدا من التآمر، ومزيدا من العدوان.
في ظل هذا الواقع تحتفل المقاومة الخضراء في ذكرى انطلاقتها رقم (٢٧)، وهي أحرص ما يكون على سلاحها، بل وأكثر حرصا على وحدة العمل المقاوم وحمايته، لمواجهة العدوان من ناحية، ومواجهة التآمر الداخلي والخارجي من ناحية أخرى.
لم تقم حماس احتفالا مركزيا كما اعتادت ، لأنها تستشعر المعاناة التي تعانيها غزة، وبالذات المعاناة التي تولدت عن الحرب الأخيرة، وتلك التي تمخضت عن فشل حكومة التوافق، واستمرار الانقسام بشكل هو أسوأ مما كان قبل اتفاق الشاطئ. كان احتفال حماس بصمودها في وجه العدوان، وفي وجه المؤامرة، على مدى واحد وخمسين يوما أغنى في دلالته ورسائله من احتفال جماهيري، تلقى فيه خطب حماسية، وأناشيد ثورية. لقد تجاوزت المقاومة الخطب والمهرجانات إلى العمل، والعمل الناجح.
أنا اعتبر نشر فيديو عملية زكيم البحرية الناجحة هو أهم أعمال الاحتفال بانطلاقة (٢٧)، فقد كشف الفيديو عن بطولة رجال المقاومة، وعن مصداقية اعلام المقاومة، كما كشف عن جبن قوات العدو، وعن كذب إعلامه ، وعن إخفاء قيادته للخسائر التي لحقت بجنوده، وبروحهم المعنوية. إن من تآمروا على غزة والمقاومة في معركة العصف المأكول، ما زالوا يحيكون المؤامرات، وهم لن يتركوا غزة تنعم بحياة طبيعية، ولكن مكرهم سيرتد إليهم وسينفقون أموالهم ثم لا ينصرون، لاسيما بعد أن كشفت الشعوب خفايا أنفسهم ، وصدهم المؤمنين عن فلسطيني والأقصى.