د. يوسف رزقة
المشهد الفلسطيني مسكون بارتباك بين على مستوى قيادة السلطة وأجهزتها وقهر وغضب على مستوى الشعب وفصائله . والمشهد في دولة العدو يعاني من ارتباك يوفر بيئة حاضنة للمزايدات اليمينية على الدم الفلسطيني.
كان نجاح عملية نابلس مفاجئا لكل من أجهزة الأمن الصهيونية، وأجهزة الأمن الفلسطينية، وكان القتيل شخصية مهمة في هيئة الأركان.
الارتباك والمزايدات قادت حتى الآن المشهد السياسي الصهيوني، فثمة من يحتج على نيتنياهو، ويطالبه بفتح باب الاستيطان، واعتقال محرري صفقة شاليط، ومنهم من يطالبه بعملية سور واقي (٢) في الضفة وتحميل عباس مسئولية وقوع العملية بسبب خطابه في الأمم المتحدة، ويهدد وزير المواصلات نائب رئيس الوزراء ( كاتس) بمنع مائة ألف عامل من الضفة من العمل في داخل فلسطين المحتلة، وإيقاف عمل سكان القدس الشرقية الذين يحملون الهوية الزرقاء.
انه وفي ضوء هذه المزايدات قام جيش العدو باقتحام مدينة جنين لاعتقال المطارد القسامي ( قيس السعدي )، فأصاب (٢٧) مواطنا بجراح، وفي الوقت نفسه قتلت الشرطة الصهيونية الشاب ( فادي سمير مصطفى علون )، الذي لم يكمل عشرين ربيعا في حي المصرارة قرب باب العمود اغتيالا بدم بارد وهو مذعور من جماعة المستوطنين التي تحاصرة، ولم تجد حكومة نيتنياهو غير اتهام الشاب بأنه كان ينوي طعن مستوطن، وهو زعم نفاه والد الشهيد، ونفاه شهود العيان.
المشهد الآن قاتم ومأساوي، ويهدد بانعطافة خطيرة في القدس والضفة، وحكومة نيتنياهو تتجه نحو التصعيد، وتضغط الأجهزة الأمنية الفلسطينية للتعاون معها وتكثيف الاعتقالات، وجمع المعلومات، وجلٌ الفلسطينيين يعلم أن أجهزة دايتون لا تدخر وسعا في التعاون مع الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، وحسبنا أن ننقل هنا شهادة الجنرال (آفي مزراحي ) القائد السابق لما يسمى جيش الاحتلال بالمنطقة الوسطى ، حيث قال للقناة الثانية في تلفزيون العدو: ( إنّه يجب قول الحقيقة، حتى في هذه الظروف الصعبة، وجزم قائلاً: لا يُمكن لنا أنْ نجد اليوم لدى الفلسطينيين شريكًا أفضل من محمود عبّاس، مُشدّدًا على أنّ التنسيق الأمنيّ بين قوّات الاحتلال الإسرائيليّ وبين الأجهزة الأمنيّة الفلسطينيّة وصل في الأيّام الأخيرة إلى ذروته، لافتًا إلى أنّ حديثه يعتمد على حقائق ومعلومات .
وحذّر الجنرال مزراحي من أنّ المسّ بالأجهزة الأمنيّة الفلسطينيّة سيُلقي بظلاله السلبيّة جدًا على الأمن القوميّ الإسرائيليّ، مُشيرًا إلى أنّ الحفظ على “فتيان دايتون”، كما أسماهم، هي مهمّة إستراتيجيّة إسرائيليّة على الرغم ممّا يجري في هذه الأيّام من تصعيدٍ خطيرٍ في العمليات الفدائيّة وفي التحريض ضدّ الإسرائيليين) ، على حدّ زعمه.
حكومة الاحتلال لا تريد الاعتراف بالحقيقة، فهي تعلم أن درجة الاحتقان بين أبناء الشعب الفلسطيني قد بلغت حدا لا يطاق، وأن المسجد الأقصى أخطر من القنبلة النووية، وأن انتهاك المستوطنين له بدم بارد، وبحماية الجيش والشرطة، هو بداية خطرة لحرب دينية، لا ينتظر الأفراد فيها إذنا من تنظيماتهم للجهاد، والمقاومة . ما جري ويجري هو رد فعل على العدوان، وليس فعلا فلسطينيا للعدوان، وهو بداية حقيقية لانتفاضة ثالثة رغم معارضة عباس لها؟! وهنا نقول إن الانتفاضة لا تستأذن أحدا، لأنها تعبير شعبي غاصب عن الألم والاحتقان، مع الأخذ بالحسبان أنه ليس لدى الغاضبين شيئا يخسرونه أو يخافون عليه من تداعيات الانتفاضة الثالثة. ومن حق الشعب على السلطة وأجهزتها الأمنية وقف تعاونها الأمني مع العدو.