د. يوسف رزقة
ما زالت عملية الهجوم المباغت والقتل في وسط باريس يشغل وسائل الإعلام الغربي والعالمي، وجلّ الوسائل الإعلامية المعادية للإسلام تتجه نحو توظيف ما حدث لخدمة أجندتها على المدي الطويل، وهي أجندة تستهدف منع نمو وانتشار الإسلام في أوربا من ناحية، وتفعيل دور نشط للحكومات الغربية في معادة المسلمين، ومحاصرة التيارات الإسلامية في الشرق الأوسط، والوقوف ضد قضايا المسلمين وخاصة ضد قضية فلسطين في المحافل الدولية، من ناحية ثانية.
ففي اسرائيل مثلا ثمة استغلال كبير للحدث، وتوجيه للقرار الفرنسي للعمل المشترك مع تل أبيب ضد الحركات الإسلامية، وضد المطالب الفلسطينية، على قاعدة أن قيام دولة فلسطينية سيكون مصدرا للإرهاب، وملاذا آمنا له ؟! وفي سوريا يتحدث النظام على أن ما حدث في باريس هو انقلاب متوقع من الإرهاب على من يدعمونه؟! ، وفي مصر ثمة تصريح للرئيس السيسي يدعو فرنسا للعمل مع مصر ضد الإرهاب، وهكذا يجتمع أعداء الإسلام والتيارات الإسلامية على استثمار الحدث لصالح استراتيجية بعيدة المدى.
وفي خبر معاكس ولافت للنظر تحدثت صحيفة أميركية أن من قام باختيار الهدف، وقتل هذا العدد الكبير في الصحيفة، هو الموساد الإسرائيلي، الذي استطاع تجنيد بعض العملاء للقيام بعملية القتل، من أجل الانتقام من السياسة الفرنسية التي أيدت مطالب عباس في مجلس الأمن، وفي البرلمان الفرنسي. وهو خبر يقلب الرؤية الأكثر تداولا في الإعلام الغربي رأسا على عقب. ويبقى ما قالته الصحيفة الأميركية ممكنا ومحتملا، لا سيما ونحن نعلم حاجة إسرائيل لتهجير يهود فرنسا إلى دولة الاحتلال.
وثمة من يزعم أن الحكومة الفرنسية تحاول ان تستثمر الحدث لترميم شعبيتها المنهارة بين الناخبين الفرنسيين، من ناحية، ولإطلاق يديها في عمليات قتل دموية للمسلمين خارج فرنسا، حيث تنشط جماعات الجهاد الإسلامي، في العراق ومالي والمغرب العربي، ومن ثمة التغطية على أعمالها السرية الخطيرة خارج فرنسا بالتعاون مع اسرائيل وأميركا، وهنا يمكن مراجعة السجون السرية الأميركية في العالم وتعاون العواصم المختلفة مع أميركا بعد أحداث سبتمبر.
نحن في فلسطين نطالب أوربا بمراجعة موقفها من المطالب الفلسطينية، وبمراجعة موقفها من مطالب الحركات الاسلامية المعتدلة، والمنتخبة ديمقراطيا، وهنا لا بد أن تتذكر دورها في إجهاض التحول الديمقراطي في الجزائر، ثم في مصر.
أوربا يمكنها أن تتعايش جيدا مع الإسلام السياسي حين يصل للحكم بالانتخابات ، لأن المسلمين لا يحملون عداء لمن سالمهم، وأعطاهم فرصتهم في الحياة الطبيعية، ولأن مساندة الدكتوريات لحفظ المصالح انتهى، وصار شيئا من الماضي، والمستقبل بات للإسلام المعتدل رغم ما يدور في بلاد العراق والشام، ومن أعرض عن المعتدلين ابتلاه الله بغيرهم من أهل البأس والتشدد. وهكذا هي الحياة، وهكذا هي السياسة.