د. يوسف رزقة
حمزة محمد حسن متروك ، شاب فلسطيني من طولكرم المحتلة، يبلغ من العمر ثلاثا وعشرين عاما، قام أمس بعملية فدائية طعن ممن خلالها عددا ممن يحتلون وطنه ويعتدون على شعبه. لماذا قام الشاب حمزة بعملية الطعن هذه وسط تل أبيب وهو يعلم جيدا أنه سيقتل أو يعتقل في نهاية العملية؟! هذا هو السؤال الذي يجب أن يبحث عن إجابته المجتمع المدني الصهيوني في دولة الاحتلال.
هذه عملية فردية، قام بها حمزة منفردا، بلا تخطيط كبير، وبدون انتماء لأي من الفصائل الفلسطينية، وبدون أن يمتلك سلاحا ناريا قاتلا، لأنه لا يستطيع الحصول عليه، ولو استطاع امتلاكه لقتل عددا كبيرا وأصاب أخرين. وهذا مما تقوله تحليلات الطرف الصهيوني نفسه.
ما قام به حمزة من عملية انتقام، هو نوع من الدفاع عن النفس، وعن الأهل، وهو ما يفكر به كل فلسطيني حرّ يرفض الاحتلال، ويرفض ممارسات الاحتلال العدوانية، سواء على غزة، أو على الأقصى، أو على أي مكان في فلسطين المحتلة.
حمزة قام بكتابة حقه، وحق شعبه في الحرية بسكين متوسطة الحجم، لأنه لا يمتلك أداة غيرها ليعبر بها عن كرامته، وعن مشاعره الوطنية، وعن إنسانيته التي ترفض العدوان، وتقاوم إرهاب الدولة.
حمزة في نظر كل فلسطيني هو نموذج للتضحية الفذة في سبيل الدين والوطن والأهل، وهو مثال للشجاعة والكرامة الفلسطينية التي حاولت أن تجهضها اتفاقية أوسلو، وعمليات التنسيق الأمني والعمالة للمحتل. حمزة في نظر طولكرم افتتح عام ٢٠١٥م بعمل من أعمال البطولة الفردية، التي لا تمتلك عمليات التنسيق الأمني القدرة على إحباطها قبل التنفيذ.
العمليات الفردية هي أخطر ما تواجهه قوات الاحتلال والشرطة، لأن عمليات التجسس، والاستخبارات، لا تستطيع التكهن بها، ولا تستطيع هذه الأجهزة تقديم تحذيرات للمجتمع قبل وقوعها، ولأنها خطرة على هذا النحو نجدهم يضاعفون عقوبة منفذيها؟!
المقاربة المنطقية ينبغي أن تتجه نحو الأسباب التي أدت إلى عملية الطعن، ولماذا كانت من شاب غير منظم، أو منضوي في سلك الفصائل؟! لماذا يضحي الشباب بأنفسهم ، ومن أجل ماذا؟!
حين فكر الاستعمار القديم بإجابة هذه الأسئلة البسيطة قرر الجلاء عن البلاد العربية المحتلة. وحين تفكر قيادة دولة الاحتلال بالإجابة ان هذه الأسئلة، يمكن أن تنسحب من الأراضي الفلسطينية المحتلة؟! وكلما تأخرت الإجابة وتأخر الانسحاب ، كلما تكررت العمليات الفردية، لا في تل أبيب وحدها، بل وفي كل مكان يمكن أن تصل له السكين الفلسطينية الشابة.
شباب فلسطين لا يتقبلون الاحتلال والعدوان والظلم كغيرهم من شباب العالم ، والوعي الفلسطيني اليوم في أوجه، وهو ليس كالأمس، ومن امتلك وعيا، وإرادة، وشجاعة، وإقبالا على التضحية لا بد أن يصل إلى الحرية والاستقلال، رغم تفوق العدو المحتل بالسلاح والعتاد.
ما قام به حمزة فك الله سجنه، سيقوم غدا به غيره بإرادته الذاتية، ودون توجيه من أحد، لأن الدفاع عن الكرامة والحق في الحياة الحرة لا يحتاج توجيها ولا تحريضا، فقد ولد الناس أحرارا يرفضون العبودية والاحتلال.