د. يوسف رزقة
( دولة الاحتلال تعيش حالة حرب، واستعادة الهدوء يحتاج وقتا). هذا ما صرح به وزير الأمن الداخلي في حكومة نيتنياهو. نصف هذه المعادلة صحيح، ونصفها الآخر خاطئ تماماً. أما الصحيح فهو حالة الحرب التي يعيشها كيان الاحتلال منذ تأسيسه غصبا على الأرض الفلسطينية المحتلة. هذه الحالة ليست وليدة موجة ( إدعس.. واطعن..) التي شهدتها القدس في الأيام، بل وليدة الفقه الجهادي القديم الجديد الذي تولد قديما مع الاحتلال، وتطور فقه الجهاد الفردي ، الذي بدأ يغزو عقول الشباب، والشابات في القدس.
إن ما حدث في هذه الأيام في القدس على وجه الخصوص ، هو موجة من موجات الانتفاضة التي عرفها الشعب الفلسطيني في الثمانينيات، وفي نهاية الألفين مع انتفاضة الأقصى. هذه الموجة تميزت بما يسميه الفلسطينيون ، وأهل العلم ب( الجهاد الفردي)، يقصدون انطلاق الفرد للدفاع عن الأقصى، وبيت المقدس، من ذاته، دون إذن من ذويه، أو توجيه من تنظيمه، للدفاع عن حرمة أولى القبلتين، وثاني الحرمين الشريفين، ومسرى خاتم الأنبياء عليه الصلاة والسلام.
الجهاد الفردي، هو تطبيق عملي لمفهوم فرض العين ، الذي تحدث عنه فقهاء المسلمين، والذي بموجبه يخرج الولد بدون إذن والده، ويخرج فيه العبد بدون إذن سيده، إذ لم يعد فرض الكفاية كاف في رد عدوان الاحتلال، وتهديد غلاة المتعصبين بهدم الأقصى وبناء الهيكل في مكانه. لم يعد أهلنا في القدس بقادرين على انتظار المحرر العربي، أو ما نسميه صلاح الدين العصري. لقد بلغ السيل الزبى، ولم يعد في النظام العربي، قائد يعمل للأقصى، بعد أن تخلوا عن القدس، وتخلوا من قبل عن فلسطين، وتركوا غزة تنزف دما ليالي وأيام دون أن ترف لهم جفن عربية.
الجهاد الفردي، هو إعلان عن وفاة النظام العربي، والمحرر العربي. وهو إعلان عن ابتعاث العنقاء الفلسطينية من رماد المرحلة، لتقاتل العدو قتال الأبطال، والاستشهاديين، ومن ثمة استعادة زمن يحيى عياش، وحسن سلامه، وعامر أبو سرحان، و سكاكين يافا. كان زمن هؤلاء خليطا بين الجهاد الفردي، والجهاد التنظيمي الموجه من قيادة التنظيم. اليوم تعلن القدس عن فصل المسارات، وتفجير شرارة الجهاد الفردي، لأن قيام التنظيم في القدس شبه مستحيل، وربط الجهاد بالتنظيم يؤخر الجهاد، ويعوقه. هذا درس فهمته، كما فهمه غيري، من الشلوادي، ومعتز حجازي، وعماد وغسان الجمل. لذا فإن النصف الأخير للمعادلة آنفة الذكر خاطئ تماماً،ولن يعود الهدوء إلى القدس لا في شهر ولا في شهرين ؟!
كان الأمل حاضرا في النفس الفلسطينية بانتفاضة الحجارة، ثم في انتفاضة الأقصى، حتى إذا ما قامت السلطة الفلسطينية وقطعت شرايين الجهاد بالتنسيق الأمني، ذبل هذا الأمل ، ولكنه لم يمت، وبقيت منه بقايا تحت الرماد، في القدس، والضفة وغزة، واليوم تتحرك القدس على إيقاع الحرب الأخيرة على غزة، وعلى الأقصى ليشرق الأمل من جديد، غير أن عمل السلطة المعتم، ما زال يطارد جذوة الأمل، التي أنبعثت من دماء الشهداء حجازي، والشلوادي، وعماد، وغسان، وأبو خضير، ويوسف، وغيرهم.
عتمة السلطة صفيقة سطرتها كلمات الإدانة المخزية التي نطق بها عباس، ودماء الأبطال تنزف. إدانة انفرد بها رئيس السلطة دون الشعب ودون الفصائل كافة، طلبا للشعير الذي تحدث عنه أحمد مطر في قصائده؟!
الشعب كل الشعب في واد، ورئيس السلطة في واد آخر. الشعب يمجد الأقصى، ويمجد الدماء التي تحمي الأقصى، والمسرى، لأنها تقيم ميزان العدل، بسيف الدّفاع عن النفس، على قاعدة فرض الكفاية وفرض العين، وعباس يخالف الشعب مخالفة تامة مطلقة، بل ويهدم ما تفرضه الشريعة على المؤمنين، عندما يغتصب عدو هم أرضهم، ويقتل أبناءهم، وينتهك مقدساتهم .