د. يوسف رزقة
للبيت رب يحميه. حقيقة تاريخيه قالها عبد المطلب لقادة جيش أبرهة عند عزمهم على هدم الكعبة. كان عبد المطلب عاجزا بنفسه وبقريش عن ردّ العدوان، ولكنه فيما يبدو كان مؤمنا بما قال عن حماية الله للكعبة بيت الله في هذا المكان المقدس. حصلت المعجزة وتدخلت القدرة الإلهية فجعلت جيش إبرهة كالعصف المأكول، وحمى الله بيته.
ثمة بيت آخر من بيوت الله في الأرض يتعرض لما تعرض له بيت الله الحرام في مكة، إنه المسجد الأقصى، أولى القبلتين، وثالث الحرمين الشريفين، وهو في الأرض المقدسة، أرض المحشر والمنشر، أرض فلسطين المباركة، والمحتملة. وثمة عاجز عربي وإسلامي شامل، يستغرق دول العالمين العربي والإسلامي، وثمة من يقول منهم : (إن للبيت رب يحميه) ، للعجزه كعبد المطلب ، ولكن مع اختلاف في النية واليقين بين قائل اليوم ، ومن قال الكلمة قديما.
ثمة عجز،وضعف إرادة، وغياب يقين، عند قادتنا، بدليل تمادي البلاء والابتلاء، وتأخر نصر الله، وارتفاع رحمته.
إنك إذا فتشت عن العجز العربي وجدته قائما وجليا في السلطة، وفي المسئولية الأردنية عن المقدسات في القدس، وفي جامعة الدول العربية، وفي منظمة التعاون الإسلامي، وفي لجنة القدس التي يرأسها المغرب العربي، وجلّ هؤلاء قالوا إن الأقصى خط أحمر؟!). تعبيرا عن رفضهم الإجراءات الاسرائيلية التي تتجه نحو تقسيم الأقصى زمانيا ومكانياً بخطوات سريعة ومدروسة، ولكن الخط الأحمر العربي والإسلامي لا يزيد عن صرخة في الفضاء، أو خط في الهواء، ولا أحسب أن هؤلاء سيتحركون إيجابيا لحماية الأقصى حتى ولو هدمته دولة الاحتلال ، أو مجموعات التلمود المتعصبة.
لا نية عند هؤلاء لاستنقاذ الأقصى، ولا قدرة لهم على ذلك، وهم لا يفكرون بتحريره، ومبادرتهم العربية تحكي عجزهم، وتغفل عن مسرى نبيهم، وقد يتفاوضون غدا على التقسيم المكاني والزماني، باسم العجز، والتسامح، والمرونة، والتفرغ لتنظيم الدولة، أو للإسلام السياسي، أو لما يسمونه الإرهاب؟! .
إن مقولة ( للبيت رب يحميه)، لا رصيد ذاتي له في نفوس الأفراد، وبالذات من القادة، ولا رصيد لها في الضمير الجمعي العربي والإسلامي الذي استسلم، أو يكاد، أمام سيطرة اسرائيل على بيت المقدس، وضمها ، وجعلها عاصمة أبدية لدولتهم منذ عام ١٩٦٧م.
إن غياب الرصيد العربي والإسلامي على المستوى الرسمي الحكومي له سابقة، بل سوابق عديدة مؤلمة، منها حريق الأقصى في عام ٦٩، ومنها تدمير اسرائيل لعشرات المساجد التاريخية، والكبيرة في غزة في المعركة الأخيرة دون مبررات عسكرية حقيقية، ودون احتجاج عربي أو إسلامي على تدميرها و هدمها، وفي أثناء الحرب الأخيرة قلت إن في هدم وتدمير مساجد غزة إنه تمرين لهدم وتدمير الأقصى، وأنه تجربة اسرائيلية لقياس ردود الأفعال العربية والاسلامية؟!).
أما هذه الصورة القاتمة على المستوى الحكومي، ثمة صورة مشرقة لمفهوم ( للبيت رب بحمية) تقوم عليها اللجان والقوى الشعبية الفلسطينية، من سكان القدس، وفلسطين المحتلة عام ٤٨، وسكان الضفة وغزة، هؤلاء عقدوا العزم على الرباط في المسجد، والدفاع عنه بصدورهم العارية، وبما يملكون ، وهم على يقين أن الله سيحمي مسرى نبيه ، وبيته المقدس. هؤلاء هم أهل الله وخاصته، ممن حملوا أمانة الأقصى، واعتصموا بالرباط فيه ، والدفاع عنه حتى يأتي نصر الله. هؤلاء هم فقط من يعرفون معنى ( الأقصى خط أحمر) ، لأنهم يعملون بحسب ما يقولون، وغيرهم يقول ولا يعمل عن عجز وغياب نية وإرادة.