بقلم: د. يوسف رزقة
احتفلت الجماهير الفلسطينية أمس الأول بالذكرى السنوية ليوم الأرض. يوم الأرض من الأيام الوطنية على مستوى فلسطين، يعظم فيه المحتفلون الأرض، ويعلنون أنهم يتمسكون بها باعتبارها مركز الصراع. نعم الأرض التي ثمثل فلسطين كل فلسطين تحت الانتداب هي مركز الصراع. حين تطرد قوات الكيان الصهيوني سكان فلسطين بمساعدة بريطانيا الدولة الحاكمة في عام ١٩٤٨م، فإن هذا يعني أن يهود يريدون الأرض خالية من سكانها، وحين يتمسك الفلسطينيون بحق العودة، ويعدونه حقا فرديا غير قابل للتصرف ، فهم يعلنون أن الأرض هي مركز الصراع.
لم يدخل شعبنا الفلسطيني في صراع ممتد مع يهود لأنهم يهود، بل دخل معهم في صراع ودفاع عن النفس لأنهم يغتصبون الأرض، ويطردون سكانها بقوة السلاح. إن أكبر عملية عنصرية في العصر الحديث في إطار الصراع على الأرض كانت من يهود في عام ١٩٤٨م، لقد تم الطرد للسكان بقوة السلاح على أساس الجنس، والدين، والتطهير العرقي. إن من يتذكر الأرض والطرد يسخر من كل كلمة تقولها دولة العدو عن الديمقراطية والمساوة. دولة العدو ليست واحة الديمقراطية في الشرق الأوسط كما يزعمون؟! . دولة العدو المحتل هي واحة العنصرية الدينية، والعرقية، الأوسع في العالم، بعد أن تمكنت من بناء جيش مسلح .
يوم الأرض فلسطينيا هو يوم تجديد إرادة الشعب الفلسطيني بأرضه ومدنه وقراه، وبكامل تراب وطنه، فهو اليوم الذي تجتمع عليه كل مكونات الشعب الفلسطيني. الأرض الوطن هي الأم التي تجمع شعبنا، وتذكرنا بنكبة ١٩٤٨ م حتى لا ننسى. ربما كان هذا اليوم هو يوم للعاطفة نحو فلسطين، وهذا صحيح، ولكنه هو يوم لتجديد الإرادة الوطنية التي تتمسك بحق العودة إلى مدن وقرى الوطن. وإن الاختلال الحاصل في موازين القوة العسكرية بيننا وبين العدو ليس دائما أو مؤبدا، بل هو متحرك، وسيأتي اليوم الذي يخرج فيه يهود من فلسطيني، بعز عزيز، أو بذل ذليل، و وبشارات زوال كيان العدو تتزايد وتقترب. الزوال كائن حتما، ولكن المواقيت بيد خالق الزمن ومسبب الأسباب. نحن ننتظر وعد الصدق كما نفهمه من القرآن والسنة، ويكاد يفهم هذا الوعد ويتوقعه قطاع كبير من يهود.
لن تستطيع دولة العدو أن تحتفظ بسيطرتها على الأرض الفلسطينية، وقادتها يعلمون ذلك، لا سيما حين تتحرر الشعوب المسلمة من الاستبداد الذي يحكمها منذ عقود . إنها عقود سوداء كان من مخرجاتها الرئيسة نكبة فلسطين، ثم نكسة فلسطين، ثم التطبيع مع العدو، ثم خدمته أمنيا، ثم معاداة المقاومة الفلسطينية، ثم حصار غزة وتجويع سكانها؟! .
في هذه الأيام ربما بدأ بعض حكام العرب يدركون معنى كلمة ( إسرائيل خنجر في ظهر الأمة العربية) ، لا سيما بعد أن بدأت العراق وسوريا في التمزق، ودخلت المنطقة العربية في أتون صراع يتحكم فيه من الخلف ( إسرائيل ) والدول العظمى. الآن فقط أدرك عديد من الزعماء معنى الأرض، ومعنى وجود كيان غريب في وسط أمة عربية واحدة. لقد تأخر الإدراك العربي في الإحاطة بمفهوم الأرض ودلالاته، ولكنه بدأ الإدراك يكبر رغما عن الحكام ، لأن أرض العرب بات مهددة بكيانات جديدة.