بقلم: يوسف رزقة
نحن لا نعرف كثيرا عن نسب المكونات العرقية والطائفية في سوريا، ولكننا نعرف سوريا ونعرف أن كل من يسكن سوريا ويحمل هويتها هو مواطن سوري يتساوى مع غيره في الحقوق والواجبات، ونعرف أن الظلم الذي وقع على بعض الأقليات السورية عظيم، ولكنه لا يختلف عن الظلم الذي وقع وما زال يقع على الأغلبية، لأن الاستبداد لا يظلم بقانون العرقية، وإنما يظلم بطبيعته البنيوية المستبدة.
يتذكر جيلنا أننا كنا بعد النكبة ننادي بوحدة الأمة العربية، وكان عبد الناصر رائدا في الدعوة إلى الوحدة العربية. لم تتحق الوحدة العربية البتة، وكلما دعا لها الداعون ازدادت الأمة العربية تفسخا وتمزقا، حتى يمكننا اليوم القول بأن حلم الوحدة تبخر.
بعد أن تبخر حلم الوحدة، وحلم جمع العرب معا في مواجهة العدو الصهيوني، بتنا نحن العرب ننادي بضرورة المحافظة على وحدة العراق، ووحدة سوريا، ونحن نرى أنها ذاهبة بإرادة خارجية مشبوهة، وبجهل أبنائها وطوائفها وأعراقها نحو التقسيم .
في سوريا عقد( ٢٠٠ )شخصية مؤتمر ( الرميلان) في الحسكة ، حيث مثل المجتمعون (٣٠) حزبا من العرب والأكراد والأشوريين والشيشان والسريان، وأعلنوا عن تأسيس نظام فيدرالي في شمال سوريا يضم المناطق الخاضعة للقوات الكردية وهي ( كوباني عين العرب، والحسكة، وعفرين،؟! بينما أعلن (٧٠) تنظيما سوريا معارضا للنظام رفضه للفدرالية هذه، وحذر منها، ودعا إلى التمسك بوحدة سوريا.
واللافت للنظر أن تيار ( قمح) برئاسة هيثم مناع وهو الرئيس المشترك لمجلس سوريا الديمقراطية، رفض هذه الفدرالية، وكذا رفضها النظام نفسه، بينما يتلقى الأكراد الذين يقودون فكرة الفيدرالية دعما عسكريا وسياسيا من روسيا، وأميركا دول غربية ، وإسرائيل؟!
وهكذا يلتقي جهل الطوائف والأعراق والأقليات ، بمكر الدول الخارجية الاستعمارية، في خطوة تفتيت الذات، وإضعاف الوطن وتمزيقه، بدلا من البحث معا عن مقاومة الاستبداد وإرساء قواعد العدل والحرية والمساواة بين السكان.
يقولون : بدأت داعش التقسيم، ثم جاءت الفدرالية الكردية خطوة ثانية على الطريق، بحيث تمهد الثانية للدولة العلوية أيضا، كي تنتهي سوريا الموحدة كما نعرفها، وبهذا تكون إسرائيل قد حققت حلمها في سوريا والعراق، وبات الباقون من العرب ينامون تحت تهديد خطر التقسيم نفسه لبلادهم، لتعيش أجيال قادمة على طلب المعونة من دولة العدو لمواجهة التقسيم.
ما أسوأ تاريخ العرب الحديث بعد النكبة تحديدا؟! فقد كانوا ينادون في الستينيات ليل نهار بالوحدة العربية، وبعد سبعة عقود باتوا ينادون بالتمسك بوحدة العراق، وبوحدة سوريا، وغدا بوحدة ليبيا واليمن. وكأن تجربة بلاد الأندلس لم تمرًّ على بال وخاطر قادة العرب وزعمائها المعاصرون . بكى أجدادنا الأندلس ولم يجد البكاء ، وها هم حكام العرب يبكون العراق وسوريا، وأخشى أن يبكون غدا دولهم ، لذا وجب التحذير والتنبيه. اتركوا البكاء واعملوا شيئا؟!