د. يوسف رزقة
حين تقع المصائب نقول : ( حسبنا الله ونعم الوكيل)، أو نقول إنا لله وإنا إليه راجعون، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم )، وهذا ما قلته عندما قرأت الخبر الآتي: نقلت صحيفة يديعوت أحر نوت العبرية عن مصادر أمنية إسرائيلية قولها إن التعاون الأمني ، والتنسيق الاستراتيجي الإسرائيلي يعملان مثلما لم يعملا من قبل أبدا مع (مصر والأردن) وفي أماكن أبعد لا تسمح الرقابة بالكشف عنها؟!. وأكدت ( سمدار بيري )محللة شئون الشرق الأوسط في الصحيفة : أن أن صورة ( إسرائيل ) في الوطن العربي تبدو من الجانب السياسي سيئة، بينما هي في الجانب الأمني تظهر بأحسن صورة؟! ونوهت إلى اهتمام الأنظمة العربية بالانتخابات الإسرائيلية...) انتهى.
قل بعد أن قرأت: حسبنا الله ونعم الوكيل. وتذكر أن السوري قال: ( ما لنا غيرك يا ألله)، صدق السوري، فقد أضاعت الأنظمة العربية وإسرائيل معا ثورته ودمه، كما أضاعت ثورة مصر ودماء أبنائها، وكما أضاعت كما قال أبو عمار ثورة الشعب الفلسطيني ومقاومته.
حين يكون النظام العربي غارقا في تحالف أمني مع دولة الاحتلال الصهيوني، فاعلم أنه يتقبل احتلال القدس، ويتقبل إسرائيل لا كما يقول الشاعر( أحمد فرح عقيلان) جارة؟!، بل يتقبلها الآن حليفا؟! وتصبح المقاومة عند النظام العربي إرهابا وعنفا، وعملا ضارا وغير متقبل ؟!
هذا هو العمق العربي الذي كثر الحديث فيه، وما زال الناس يفلسفون المسألة، على أمل استبقاء الشعوب والجماهير مع فلسطين، بعد أن لم تعد للشعوب كلمة في واقعنا العربي، طالما الضخ الإعلامي يعظم النظام، ولا يكشف عن العلاقات الخفية بين الأنظمة وإسرائيل على مستوى الأمن والاستخبارات، كما تفعل أحيانا بعض المصادر الإعلامية الأميركية والإسرائيلية.
الخبر أنف الذكر، يتحدث عن صورتين، وعن مستويين: الأول المستوى السياسي، حيث فيه صورة إسرائيل تبدو سيئة، وهذا صحيح ، ولكن يمكن (لاسرائيل) أن تتحمل هذا المستوى لأنها تعرف طبيعة النفاق العربي، فالرئيس الأكثر مهاجمة لإسرائيل هو الأكثر تعاونا معها تحت الطاولة ؟! ، و( واسرائيل) تبحث عن العنب، ولا تقاتل الناطور.
أما صورة ( إسرائيل) عند الأجهزة الأمنية العربية فهي صورة جيدة ، بل أفضل مما نتصور بحسب يديعوت، وهذا صحيح، وواقعي، ونحن نلمسه، ولقد لمسناه في حرب الفرقان ٢٠٠٨م، التي نكتب هذا المقال في ذكراها، ولمسناه بشكل أوضح في حرب العصف المأكول ٢٠٢٤م، ويلمسه المصري، والسوري، والليبي، والعراقي، كل بطريقته، وبحسب بيئته. قل: حسبنا الله ونعم الوكيل.
كانت الأنظمة العربية قبل عقود خلت تبادر على وجه السرعة لنفي أي خبر يشير إلى أدنى علاقة أو اتصال مع (إسرائيل)، ولكن الأنظمة اليوم باتت تسخر من الأمس، وتمد لسانها لا لفلسطين فحسب، بل وللشعوب العربية أيضا، وتتنافس في تطبيع العلاقة مع دولة الاحتلال. لذا تجد بعضها يسكت على ما يقال ويتسرب، ويعمل من تحت الطاولة ما يريد، و( اسرائيل) تقدر الأمور تقديرا جيدا في هذه المسألة .
نحن لا نشعر بالمفاجأة، أو بالدهشة، حين تخرج صورة العلاقات الثنائية الجيدة بين النظام العربي ودولة الاحتلال قريبا إلى العلن، فثمة فضائيات عربية تروج لذلك، وهي إلى العبرية أقرب، وتعد العلنية قمة الواقعية، وذروة الذكاء السياسي، وتدافع عن التطبيع أكثر من مدافعة العدو الصهيوني عنه. لا استغراب في عالم عربي، الغريب فيه الوحيد فيه ( أن تكون مسلما صادقا وفقط؟! ) قل: إن لله وإن إليه راجعون.