د. يوسف رزقة
أشعلت صورة الطفل السوري الغريق وسائل الإعلام الجديد، وسيطرت على تعليقات المشتركين في الفيس بوك، وتويتر. كانت الصورة، والقصة المرتبطة بها، وتداعياتها مناط تعليقات عقلية وعاطفية مؤثرة، ومؤلمة معا. خلاصة المشهد أن الطفل في السنة الثالثة من العمر. خرجت أمه به من أتون الحرب السورية طلبا للنجاة والحياة، وما كان يخطر ببالها أن الغرق أخطر عليها من البقاء في سوريا تحت قصف البراميل المتفجرة. وصلت الأم بطفلها مع آخرين لسواحل اليونان على أمل الحياة، فغرق الطفل وغرق معه آخرون، وتحطم أمل الأم بفقدها فلذة كبدها، فإنا لله وإنا إليه راجعون .
جلّ التعليقات كانت تحمّل مسئولية غرق الطفل ووفاته للقادة العرب، ولجامعة الدول العربية، وللعلماء المسلمين، وللأمم المتحدة، وللدول الغربية، وقلة قليلة التي حمّلت المسئولية ( لإيران، وحزب الله وروسيا؟! ) مع أن الأطراف الثلاثة الأخيرة هي التي تدعم نظام الاستبداد والبراميل في دمشق، وهي الأجدر بتحمل مسئولية هجرة ملايين السوريين، وغرق بعضهم في البحر، أو قتلهم صبرا في شاحنات المهربين كما حدث مع ثلاثين منهم في النمسا.
صورة الطفل السوري الغريق هي الأشهر الآن في وسائل الإعلام، وهي تضاهي في دلالاتها المؤلمة وشهرتها صورة الطفل محمد الدرة، التي استجلبت تعليقات إنسانية من بل كلينتون وغيره، إلا أن هذه التعليقات لم تغير من واقع المأساة الفلسطينية، ومع ذلك لم يعقب أوباما على الصورة ؟!.
جلّ التعليقات على صورة الطفل السوري الغريق كانت تعليقات إنسانية، تعبر عن مشاعر أصحابها الرافضة لما يجري في سوريا، والرافضة للمواقف العربية والدولية التي فشلت على مدى أربع سنوات في إيجاد حلّ عادل للصراع بحيث يستجيب الحلّ للمطالب الشعبية العادلة، وينقذ سوريا من القتل والدمار والهجرة، ولكن لم يوازن أحد بين رعاية ( إسرائيل) دولة الغصب والاحتلال للمهاجرين اليهود، وبين الراعاية العربية والإسلامية، غير أن واحدا قال تعليقا على موقف ميركل: بلاد الكفار أقرب إليهم من مكة؟! ولا حول ولا قوة إلا بالله.
في المجر صورة أخرى من صور المعاناة السورية التي ضربت اللاجئين السوريين، وفرضت عليهم الهجرة من خلال البر بديلا عن البحر، وما كان يدور بخلدهم أن دولة المجر وقوانينها هي أخطر عليهم من البحر، بعد أن أسلموا مصيرهم للمهربين عبر الحدود، فأخذ المهربون ما تبقى لديهم من مال ، وتركوهم على الحدود،أو في الشاحنات المغلقة لمصيرهم، وهذا يذكرنا بما حدث مع المهجرين الفلسطينيين من قبل في رواية غسان كنفاني ( رجال تحت الشمس).
كانت أكثر التعليقات إيلاما لي هي التعليقات التي حمّلت العلماء كالقرضاوي، والعريفي، والعودة، وغيرهم المسئولية عن هذه الهجرة، وهذا الموت، بزعم أنهم صامتون، و أن بلاد الخليج وجزيرة العرب أقرب لهؤلاء من المجر وأوربا، وأن قادة المسلمين أولى من ميركل في الربت على أكتاف اللاجئين المضطرين هربا من الحرب.أين رابطة الدين؟! وأين رابطة العروبة؟! وأين رابطة الإنسانية؟!
إن تجربة هجرة الفلسطينيين من وطنهم، وتداعيات هذه الهجرة، تنصح السوريين بالبقاء في وطنهم، حتى وإن تعرضوا لتهديدات القتل، فما خارج الحدود السورية ليس بأفضل مما في داخلها. وإن الشهادة في حرب ظالمة خير من الموت غرقا، أو من الموت صبرا في شاحنة مغلقة، أو من الموت غدرا على يد المهربين. صورة الطفل السوري الغريق هي إدانة لقادة العالم العربي والإسلامي أولا، ثم هي إدانة لقادة العالم وبالذات أميركا وأوربا لشراكتهم في المأساة .